ايضاحات في بيان لفظ الذات
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن سار على دربه الى يوم الدين.
اما بعد...
ذكر ناظم جُمْلَةُ العَقَائِدِ عَلَى طَريقِ السَّلفِ الأمَاجِدِ والتي هي
من نَظمُ الشَّيخِ العَلامةِ مُحَمَّد سَالم بنِ مُحَمَّد عَلِي بن عبدِ
الوَدُودِ الشَّنقِيطِيِّ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى فقال في منظومته
ذاتا له فقد عنى
التي له ملته، شرعته، سبيله
والاصل ان تضاف
للإله لا للضمير او للفظ الله
فاستطرد في شرحها
خصوصا من جهة اللغة كما قال الشيخ وليد المنيسي فأطال الناظم النفس في ذلك، وتبين
لنا ان لفظ الذات لها اختلافات من خلال أصلها ومعناها اللغوي فنقول ومن الله تعالى
العون والسداد.
أولا: اختلف النحاة على أصل كلمة الذات هل هي عربية ام ليست من العربية.
قال ابن عقيل وغيره هي عربية وتوجد لها اثار عند الصحابة وكلام النبي
صلى الله عليه وسلم.
واستدلوا على قولهم بحديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي عليه
الصلاة والسلام قال (ان إبراهيم لم يكذب الا ثلاث كذبات: اثنين في ذات الله) وفي بعض
الروايات كما قال شيخ وليد (كلهن في ذات الله) وفي صحيح البخاري في قصة مقتل خبيب
رضي الله عنه واستشهاده بقوله
(ولست
أبالي حين أقتل مسلماً .. على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ .. يبارك في
أوصال شلو ممزع)
وكذلك جاء في مسند الامام احمد وغيره قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس
لا تشكوا علياً، فإنه أحسن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى). ففي هذه النصوص دلالة على استعمالها في حديث النبي عليه الصلاة
والسلام وكلام الصحابة رضوان الله عليهم.
وقال بعضهم انها ليست من العربية.
وهذا ما ذهب اليه شيخ
الإسلام ابن تيمية فقال (وفصل الخطاب انها ليست من العرباء العربية، بل من المولد
فلفظ الموجود ولفظ الماهية ولفظ الكيفية ونحو ذلك يقتضي وجود صفات تضاف الذات
اليها فيقال ذات علم وذات قدرة وذات كلام ...الخ. لكن لما صار المتكلمون في العقائد انه يقال
ذات الله علم وقدره فقطعوا لفظ الله فقالوا الذات.
ثانيا: كلمة (ذات) في اللغة: هي مؤنث كلمة (ذو) بمعنى صاحب، التي هي أحد الأسماء
الستة التي ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء.
فمعناها (صاحبة). قال تعالى: (والسماء ذات
البروج) أي صاحبة البروج. وقوله تعالى: (وحملناه على ذات ألواح ودسر) وقوله تعالى:
(غير ذات الشوكة) وقوله تعالى: (وتضع كل ذات حمل حملها).
وعلى هذا القول ذكر الشيخ وليد
المنيسي قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله (لفظ الذات تأنيث ذو وذلك لا
يستعمل الا فيما كان مضافا الى غيره: فيقولون فلان ذو علم وقدرته ونفس ذات علم
وقدره وحيث جاء في القران العظيم او لغة العرب لفظ ذو ولفظ ذات لم يجد الا مقرون
بالإضافة كقوله تعالى (فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) الانفال 1وقوله تعالى (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) وقول خبيب رضي الله عنه: وذلك في ذات الاله
وان يشأ ...
ثالثا: قال بعضهم تأتي كلمة (ذات) بمعنى حقيقته
ونفسه وعينه كما بين ذلك الشيخ وليد حفضه الله فنقول ذات الشيء أي حقيقته ونفسه
وعينه. وهذا القول ذهب اليه من قال ان الذات هي نفسه سبحانه وتعالى. وهذا ما ذهب اليه من فسر قوله تعالى (إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذَاتِ الصُّدُورِ) على انها نفس الصدور وعين الصدور وفيه قوله تعالى (فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) قال الامام ثعلب وهو من كبار أئمة اللغة في
الكوفة: أي الحالات التي بينكم. وقال الزجاج:( ذات بينكم) هي الحقيقة. وهذا ما ذهب اليه
الناظم رحمه الله تعالى فقال:
ذاتا له فقد عنى
التي له ملته، شرعته، سبيله
والاصل ان تضاف
للإله لا للضمير او للفظ الله
أي انها تضاف للإله
على انه علم وليس وصفا ولا للضمير او لفظ الله سبحانه وتعالى
فيكون معنى (ذات) الله تعالى أي في ملة الله وفي شرعه فيقال فلان جاهد في
ذات الله: أي في سبيل الله او في شريعته او في ملته. وهذا له شواهد
أيضا كحديث (وأفضل
الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) أي في سبيل الله. صححه العلامة الألباني
رحمه الله تعالى.
وكذلك هذه الالفاظ ادرجت على السنة الائمة الكبار واستعملوها قال الامام
مالك رحمه الله: من وصف شيئا من ذات الله تعالى وتلا قوله تعالى (وقالت اليهود يد
الله مغلولة ..... )
*وقال الأمام أبو حنيفة: لا ينبغي لاحد ان
ينطق في ذات الله بشيء.
*وقال الأمام احمد: فان كلام من الله عز وجل
ليس بمخلوق ومن ذات الله.
رابعا: كما تأتي كلمة (ذات) بمعنى الظرف، كما قال
تعالى: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) وكقولنا: (رأيت فلاناً ذات يومٍ).
اما التعبير اللغوي فقد أنكره الناظم رحمه الله تعالى كقول (ذات الله)
لان ذات بمعنى صاحب نحو ذو علم أي صاحب علم وذو مال أي صاحب مال ولفظ الذات مؤنث
كما تبين سابقا فلا يجوز اطلاقها على الله عز وجل قال الناظمُ رحمه الله:
لأنها تأنيث (ذي) الملتزمِ فيهِ الاضافةُ لغيرِ العلمِ
ثم قال (من ظاهرٍ قال ابن مالكٍ_ وقد ذكر ما يلزم (ذو)في ذا الصدد)
فاستشهد بقول ابن مالك في الفيته
بقوله:
من
ذاك ذو إن صحبة أبانا ...
والفم حيث الميم منه بانا
أي ان ذو بمعنى
صاحب كما شرحها ابن عقيل فقال: من الأسماء التي ترفع بالواو وتنصب بالألف
وتجر بالياء ذو وفم ولكن يشترط في ذو أن تكون بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب
مال وهو المراد بقوله إن صحبة أبانا.
وكذلك رد قول من
استشهد بحديث الكذبات التي جاءت في الحديث بقوله:
نعم أتت مضافة
للهِ في كذبات القانت الاواهِ
أي انها أتت بهذا
اللفظ لكنه لفظ شاذ كما جاء في لفظ (ذو بكة) فقال في المنظومة:
وهو شُذوذُ،
ونظيرهُ (ذو بَكةَ) مما شانُهُ
الشٌذوُذٌ
هذا ما يسر الله تعالى في هذا الباب داعين المولى
ان يجزي مشايخنا عنا خير الجزاء.
كتبه ابو فرقد يوسف بن طه السعيد الفهداوي في جواب لسؤال على منظومة جملة العقائد.
إرسال تعليق