- ولي الأمر هو الذي يقوم على حوائج العباد،
وإدارة شؤونهم بما أمره الشرع الحكيم الذي يوجب على الرعية السمع والطاعة له. قال
ابن تيمية: "وولي الأمر إنما نُصِبَ لِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى
عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ" ([1])، وقال
الجرجاني: "الولي: فعيل بمعنى الفاعل، وهو من توالت طاعته من غير أن يتخللها
عصيان) ([2]).
وولي
الأمر له ما يسمى الولاية العامة، والولاية العامة: "سلطة على إلزام الغير
وإنفاذ التصرف عليه بدون تفويض منه، تتعلق بأمور الدين والدنيا والنفس والمال،
وتهيمن على مرافق الحياة العامة وشؤونها، من أجل جلب المصالح للأمة، ودرء المفاسد
عنها. وهي منصب ديني ودنيوي، شرع لتحقيق ثلاثة أمور:
1- الأمر
بالمعروف
2-
والنهي عن المنكر،
3- وأداء
الأمانات إلى أهلها، والحكم بينهم بالعدل" ([3]).
ومن كان
هذا حاله صار على الرعية السمع والطاعة لولي الأمر قال تعالى:(يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ)([4])، وقوله جل جلاله:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾([5]) ولقوله عليه الصلاة والسلام من حديث أنس بن مالك
رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي
كأن رأسه زبيبة)([6]) ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك)([7])،
وعن علقمة بن وائل الحضرمي، عن أبيه، قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء
يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله
في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: " اسمعوا وأطيعوا،
فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم" ([8])، وفي الحديثين: وجوب السمع
والطاعة للأمراء على كل حال ولو اختصوا بالمال دون مستحقيه فإن الله سائلهم عن
ذلك. وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (على المرء
المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع
ولا طاعة) ([9]) وفيه: وجوب السمع والطاعة والانقياد لقول ولي الأمر، إلا أن تكون
معصية في دين الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه.
ثم أن
الطاعة لولي الأمر تكون بين أحوال ثلاثة:
الأولى: إما أن يكون ما أمر به ولي الأمر مأموراً به شرعاً، كما لو أمر بالصلاة مع الجماعة مثلاً، فهذا يجب امتثاله لأمر الله ورسوله ولأمر ولي الأمر.
الثانية:
وأما أن يأمر ولي الأمر بمعصية الله، من ترك واجب أو فعل محرم، فهنا لا طاعة له
ولا سمع.
الثالثة: وأما أن يأمر الناس بما ليس فيه أمر شرعي ولا معصية شرعية، فهذا تجب طاعته فيه، لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ([10])، فطاعة ولي الأمر في غير معصية طاعة لله ولرسوله.
تنبيه
يجب التنبيه إلى أن طاعة ولي الأمر ليست على إطلاقها، وإنما مشروطة، فإن وافقت ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وجبت طاعته، وإن خالف ما جاء به الله تعالى وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فلا طاعةَ له، كمن حكم بغير شريعة الله، أو قدم حكم غير الله ورسوله على حكمهما، أو ظهر منه الكفر البواح لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ([11])، و(بواحاً) ظاهراً وبادياً([12])، و(برهان) : أي أية وعلامة وحجة([13]) . فالحد الفاصل الذي يميز بين جواز الخروج وحرمته هو: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان).
ثم هنالك تنبيه آخر، وهو أنه حتى إن وُجِدَ الكفر البواح الذي فيه من الله برهان فلا يجوز الخروج إلا إذا علم بأن المصلحة ستتحقق دون حصول مضرة أكبر، أي: أن الحاكم الكافر أو الذي وقع منه الكفر لو تسلط على الناس فقد أُذن بالخروج عليه والتخلص منه، لكن إذا كان الخروج عليه سيؤدي إلى مفسدة وضرر، أكبر على المسلمين فإنه يترك حتى يتمكن المسلمون وتصبح عندهم القدرة على التخلص منه دون ضرر يفسد بالمسلمين، وهنا يجب التفريق بين جواز الخروج، وبين وجوب الخروج. فإن كان الصبرُ عليه أخف ضرراً من الخروج عليه يؤخر ويرجئ الخروج عليه حتى يزول الضرر الأكبر، وإذا ترتب عليه ضرر أكبر فإنه ينظر إلى أخف الضررين في سبيل التخلص من أكبرهما، والله تعالى أعلى وأعلم.
وعلى ولي
الأمر العدل بين الرعية ومراقبة الله تعالى في شؤونه كلها دقها وجلها. لقوله
تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ
نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} ([14]) لحديث
عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم
مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته) ([15]).
فائدة:
كراهة طلب الإمارة، والمراد بها، الولايات
والوظائف كلها، والحرص عليها لما جاء عن النبي" صلى الله عليه وسلم" من
النهي في ذلك، عِنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَمُرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صلى الله
عليه وسلم: (يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ بْن سَمُرَةَ، لا تسأل الإمَارَةَ، فَإنَّك إن
أعطيتها عَنْ مَسْألةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإنْ أعطيتها عَنْ غَيْر مَسْألةٍ
أعنْتَ عَلَيْهَا)([16]). أي أن من جاءته الولاية بلا طلب ولا استشراف،
فَسَيُعَانُ عليها.
وكتبه
يوسف طه السعيد
([1])
انظر: السياسة الشرعية: (58).
([2])
انظر: التعريفات للجرجاني: 1/ (254).
([3])
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 45/ (140).
([4])
سورة النساء: من الآية: (59).
([5])
سورة التغابن: من الآية: (16).
([6])
أخرجه البخاري: 9/62، (7142).
([7])
أخرجه مسلم: 3/1467، (1836).
([8])
أخرجه مسلم: 3/1474، (1864).
([9])
أخرجه مسلم: 3/1469، (1839).
([10])
سورة النساء: من الآية: (95).
([11])
أخرجه البخاري في صحيحه: 9/47، (7056).
([12])
انظر: الصحاح تاج اللغة: 1/ (357).
([13])
انظر: تاج العروس: 34/ (251).
([14])
سورة النساء: الآية: (58).
([15])
أخرجه البخاري في صحيحه: 2/5، (893)؛ ومسلم في صحيحه: 3/1459، (1829).
([16])
أخرجه البخاري في صحيحه: 8/127، (6622)؛ ومسلم في صحيحه: 3/1273، (1652).
إرسال تعليق