التسمية على الصيد
قال
الامام البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن فضيل، عن بيان، عن الشعبي، عن
عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إنا قوم نصيد بهذه
الكلاب؟ فقال: (إذا أرسلت كلابك المعلمة، وذكرت اسم الله، فكل مما أمسكن عليكم وإن
قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب
من غيرها فلا تأكل ([1])).
([1])
أخرجه البخاري:7/87، (5483).
أهم
فوائد الحديث:
1- الصَّيْد: مصدر صاد يصيد صيدًا، وله إطلاقان في
اللغة، فقد يراد به: الاصطياد ووضع اليد على الحيوان المصيد وقبضه وإمساكه، ومنه
قوله تعالى ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ([2])﴾، يراد به الحيوان المصيد
نفسه، كما قال تعالى ﴿لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ([3])﴾ وعلى
الإطلاق الأول يكون تعريف الصيد اصطلاحًا: (اقتناص حيوان حلال متوحش طبعًا غير
مملوك ولا مقتدر عليه ([4]))، وقال البهوتي: (وَالصَّيْدُ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ
حَلَالٌ مُتَوَحِّشٌ طَبْعًا غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلَا مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ([5]))،
وقوله متوحشا معناه ان لا يكون انسيا يألف البشر كالأغنام والجمال والبقر وغير قال
الخرشي: (فَقَوْلُهُ وَحْشِيًّا مَعْمُولُ جُرْحٍ وَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ
مَحْذُوفٍ أَيْ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا أَيْ مُتَوَحِّشًا لَا إنْسِيًّا مِنْ إبِلٍ
أَوْ غَنَمٍ أَوْ دَجَاجٍ اتِّفَاقًا أَوْ بَقَرٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ إوَزٍّ عَلَى
الْمَشْهُورِ([6]).
2- حكم الصيد:
الأْصْل
فِي الصَّيْدِ الإْبَاحَةُ، إِلاَّ لِمُحْرِمٍ أَوْ فِي الْحَرَمِ، لقوله تعالى:
﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ([7])﴾. وَيُكْرَهُ الصَّيْدُ إِذَا كَانَ
الْغَرَضُ مِنْهُ التَّلَهِّيَ وَالْعَبَثَ ([8]) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ([9]).
وَذَكَرَ
الْحَنَابِلَةُ ([10]) أَنَّهُ يُكْرَهُ الاِصْطِيَادُ فِي صُوَرٍ مِنْهَا:
أ- أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ نَجِسٍ،
كَالْعَذِرَةِ، وَالْمَيْتَةِ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَكْل الْمَصِيدِ
لِلنَّجَاسَةِ.
ب- وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِبَنَاتِ
وَرْدَانَ، لأِنَّ مَأْوَاهَا الْحُشُوشُ.
ت- وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِالضَّفَادِعِ،
لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا.
ث- وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَرَاطِيمِ،
وَكُل شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ.
وَيَحْرُمُ
الصَّيْدُ فِي صُوَرٍ، مِنْهَا:
أ- اتفق الْفُقَهَاء على حُرْمَةِ الْصَيْد
فِيْمَا إِذا كان الصَّائِدُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَالصَّيْدُ
بَرِّيًّا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا
دُمْتُمْ حُرُمًا ([11])﴾.
ب- اتفقوا على حُرْمَتِهِ إذا كَانَ الصَّيْدُ
حَرَمِيًّا، سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّائِدُ مُحْرِمًا أَمْ حَلاَلاً، لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا ([12])﴾ الآْيَةَ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ مَكَّةَ: (وَلاَ
يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ([13])) وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا.
ت- وَيُشْتَرَطُ فِي الصَّيْدِ أَنْ لاَ يَكُونَ
مَمْلُوكًا، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ شَرْطَاً فيما إذا كان عَلَى الصَّيْدِ
أَثَرُ الْمِلْكِ، كَخَضْبٍ أَوْ قَصِّ جَنَاحٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فقالوا:(وَلَيْسَ
بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ كَخَضْبٍ وَقَصِّ جَنَاحٍ ([14])) لأِنَّهُ فِي هَذِهِ
الْحَالَةِ مَمْلُوكٌ لِشَخْصٍ آخَرَ بِدَلَالَةِ العَلَاْمَاْتِ المَوْجُوْدَةِ
عَلَى المصِيْدِ مِنْ خَضْبٍ أَوْ قَصِ جَنَاْحِ أو غيرها مما تعارف عليه الناس من
اثبات الملكية، ووضح لنا ذلك من تعريف البهوتي السابق في كشاف القناع اذ قال:
(وَالصَّيْدُ حَيَوَانٌ مُقْتَنَصٌ حَلَالٌ مُتَوَحِّشٌ طَبْعًا غَيْرُ مَمْلُوكٍ
وَلَا مَقْدُورٌ عَلَيْهِ ([15])).
وَذَكَرَ
الْمَالِكِيَّةُ صُورَةً أُخْرَى يَحْرُمُ فِيهَا الصَّيْدُ، وَهِيَ: خُلُوُّهُ
عَنْ نِيَّةٍ مَشْرُوعَةٍ، كَأَنْ يُصَادَ الْمَأْكُول أَوْ غَيْرُهُ لاَ
بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ، بَل بِلاَ نِيَّةِ شَيْءٍ، أَوْ بِنِيَّةِ حَبْسِهِ، أَوِ
الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير((وَحُرِّمَ) عَلَى
الْمُكَلَّفِ (اصْطِيَادُ مَأْكُولٍ) مِنْ طَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا بِنِيَّةِ
الذَّكَاةِ ([16])).
لَكِنْ الدُّسُوقِيُّ نَقَل مَا يُفِيدُ جَوَازَ اصْطِيَادِ الصَّيْدِ بِنِيَّةِ الْفُرْجَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ لاَ تَعْذِيبَ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذُوا الْجَوَازَ مِنْ حَدِيثِ: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَل النُّغَيْرُ ([17])).
3- أدلته: أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {أُحِل لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وفي السنة حديث لباب. وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ بِالْقَوْسِ، وَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُل، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُل، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُل،وَأَمَّا الإْجْمَاعُ فَبَيَانُهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُمَارِسُونَ الصَّيْدَ فِي عَهْدِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُهُودِ أَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَهُوَ أَنَّ الصَّيْدَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ، وَفِيهِ اسْتِيفَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إِقَامَةِ التَّكَالِيفِ([18]).
4- أنواعه: الصَّيْدُ نَوْعَانِ: بَرِّيٌّ
وَبَحْرِيٌّ. فَالصَّيْدُ الْبَرِّيُّ ([19]): مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي
الْبَرِّ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالْمَكَانِ لَّذِي يَعِيشُ فِيهِ. أَمَّا الصَّيْدُ
الْبَحْرِيُّ: فَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ
مَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ، لأِنَّ التَّوَالُدَ َصْلٌ، وَالْكَيْنُونَةَ بَعْدَهُ
عَارِضٌ. فَكَلْبُ الْمَاءِ وَالضُّفْدَعُ، وَمِثْلُهُ السَّرَطَانُ
وَالتِّمْسَاحُ وَالسُّلَحْفَاةُ بَحْرِيٌّ.
5- أَرْكَانُ الصَّيْدِ ([20]):
أَرْكَانُ
الصَّيْدِ ثَلاَثَةٌ: صَائِدٌ وَمَصِيدٌ وَآلَةٌ ([21])، وقال الخطيب الشربيني:(
وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ:
(ذَبْحٌ، وَذَابِحٌ، وَذَبِيحَةٌ، وَآلَةٌ ([22]))، ولكل من هذه الأركان شروط خاصة
به نذكرها.
أولا:
الصائد:
أ- أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، مُمَيِّزًا ([23])،
وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وذلك لان الصيد يحتاج الى القصد والتسمية
وهما لا يصحان من غير المميز.
ب- أَنْ لا يَكُونَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ
عُمْرَةٍ وان كان كذلك لَمْ يُؤْكَل مَا صَادَهُ ([24]).
ت- أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا،
وَهَذَا محل اجماع عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ
الْمَالِكِيَّةُ ([25])، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَحِل صَيْدُ الْمُشْرِكِ أَوِ
الْمُرْتَدِّ، وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ هُوَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ
لاَ يُخْلِصُ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ، وَوَجْهُ حِل صَيْدِ وَذَبَائِحِ أَهْل
الْكِتَابِ هُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
لَكُمْ ([26])﴾. وَالْمَقْصُودُ بِالْكِتَابِيِّ: الْيَهُودِيُّ
وَالنَّصْرَانِيُّ، ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا ([27]).
ث- ويُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يُسَمِّيَ
اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ الإْرْسَال أَوِ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ
الْفُقَهَاءِ وأَنْ لاَ يُهِل الصَّائِدُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا
الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ([28])﴾.
ج- أَنْ يُرْسِل الآْلَةَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ
إِلَيْهِ الصَّيْدُ، فيكون الارسال من يد الصائد عينه ولا يشاركه في الارسال أحد
فأن شاركه ممن لا يجوز صيده وذبيحته لَمْ يَحِل.
ح- يُشْتَرَطُ فِي الصَّائِدِ أَنْ يَقْصِدَ
بِإِرْسَالِهِ صَيْدَ مَا يُبَاحُ صَيْدُهُ، فَلَوْ أَرْسَل سَهْمًا أَوْ
جَارِحَةً عَلَى إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُسْتَأْنَسٍ، أَوْ حَجَرٍ فَأَصَابَتْ
صَيْدًا لَمْ يَحِل، لان الأصل في الصيد النية والمقصد.
خ- واشترط الشافعية ([29]) أن يكون الصائد
بصيراً، فلا يحل عندهم صيد الأعمى في الأصح لعدم صحة قصده؛ لأنه لا يرى الصيد،
فصار كاسترسال الكلب بنفسه، لا يحل به الصيد، ولو أرسل كلباً، وهو لا يراه صيداً،
فأصاب صيداً لم يحل.
واشترط
ابن عابدين في الصيد خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا خَمْسَةٌ فِي الصَّائِدِ: (الأول:
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ. الثاني: وَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ
الْإِرْسَال. الثالث: وَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْسَالِ مَنْ لَا يَحِلُّ
صَيْدُهُ. الرابع: وَأَنْ لَا يَتْرُكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا. الخامس: وَأَنْ
لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ ([30])). وبقية
الشروط نذكرها كل في محله، واشترط الحنابلة[31] سبعة شروط.
ثانياً:
المَصِيد:
يُشْتَرَطُ
فِي الْمَصِيدِ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا مَأْكُول اللَّحْمِ أَيْ جَائِزَ الأْكْل،
وَهَذَا عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ لأِجْل الأْكْل.
أَمَّا
مُطْلَقُ الصَّيْدِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ([32])
وَالْمَالِكِيَّةُ ([33]) إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ
مَأْكُول اللَّحْمِ، بَل يَجُوزُ عِنْدَهُمْ صَيْدُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ وَمَا
لاَ يُؤْكَل لَحْ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ، أَوْ
لِدَفْعِ شَرِّهِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ ([34]) وَالْحَنَابِلَةُ فَلاَ
يُجِيزُونَ صَيْدَ أَوْ ذَكَاةَ غَيْرِ مَأْكُول اللَّحْمِ.
ثالثاً:
آلة الصيد ([35]):
أ- السلاح: فيشترط أن يكون محدداً كالرمح والسهم
والسيف والبارود ونحو ذلك، ولا يجوز الصيد بمثقل كالحجر، والمعراض بعُرضه إلا أن
يكون له حد، ويوقن أنه أصاب به، لا بالعرض؛ لأن ما قتله بحدة بمنزلة ما طعنه
برمحه، ورماه بسهم، وما قتل بعُرْضه (جانبه) إنما يقتل بثقله سنتكلم عن هذا
الموضوع بالتفصيل في حديث عدي رضي الله عنه عن المعراض.
ب-
الحيوان الجارح: فيحل الاصطياد بجوارح السباع والطير إذا كانت معلمة، وهذا محل
اتفاق بين الفقهاء.
فالسبع
مثل الكلب والفهد والنمر والأسد والهر، والجوارح من الطير مثل الباز أو البازي
والشاهين والصقر والنسر والعقاب ونحوها من كل ما يقبل التعليم لقوله تعالى: ﴿أحل
لكم الطيبات، وما علَّمتم من الجوارح مكلبين ([36])﴾، قال ابن عباس: هي الكلاب
المعلمة، وكل طير تعلَّم الصيد والفهود والصقور وأشباهها، أي يحل لكم صيد ما علمتم
من الجوارح (والجوارح هن الكَواسب من سباع البهائم) ([37]).
ويشترط
في الصيد بالجوارح ليحلَّ صيدها أمور.
1- أن يكون مُعَلَّمًا: قال تعالى: ﴿وَمَا
عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ
اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَيْهِ ([38])﴾، وتعليم الجارحة يكون في ثلاثة شروط هي:
الأول:
إذا أرسله الصائد استرسل.
الثاني:
إذا زجره انزجر.
الثالث:
إذا أمسك الجارح صيدًا لم يأكل منه، ويتكرر هذا منه حتى يصير معلَّمًا في حكم
العرف، وأقل ذلك ثلاث مرات، وهذا مذهب الشافعية ([39]) والحنابلة([40]).
فإن أكل
الجارح من الصيد لم يحلَّ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: (إذا
أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلت، إلا أن يأكل
الكلب، فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ([41])). وجعل ابن عابدين
للكلب المعلم خمسة شروط فقال: (وَخَمْسَةٌ فِي الْكَلْبِ: الأول: أَنْ يَكُونَ
مُعَلَّمًا، الثاني: وَأَنْ يَذْهَبَ عَلَى سُنَنِ الْإِرْسَالِ، الثالث: وَأَنْ
لَا يُشَارِكَهُ فِي الْأَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، الرابع: وَأَنْ
يَقْتُلَهُ جُرْحًا، الخامس: وَأَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ ([42])).
2- أن يسمى الصائد عند إرساله: لعموم قوله
تعالى: ﴿وَلاَ تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ([43])﴾،
وقوله عز وجل ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
عَلَيْهِ ([44])﴾، وفي حديث الباب وفي حديث أبي ثعلبة قال صلى الله عليه وسلم:
(وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل ([45]) ...).
3- أن لا يشارك كلبه كلب آخر نفس المصيد، لحديث
عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أرسل كلبي وأسمِّي، فأجد معه
على الصيد كلبًا آخر لم أُسمِّ عليه، ولا أدري أيهما أخذ، قال: (لا تأكل، إنما
سَمَّيت على كلبك ولم تُسمِّ على الآخر ([46])).
4- أن يجرح الكلب الصَّيْدَ: فإن خنقه أو قتله بصدمته لم يحلَّ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فَكُلْ ([47])).
5- شروط الصيد:
وَخَمْسَةٌ فِي الصَّيْدِ: وخمسة أخرى: الأول: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَشَرَاتِ. الثاني: وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ بَنَاتِ الْمَاءِ إلَّا السَّمَكَ. الثالث: وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ بِجَنَاحَيْهِ أَوْ قَوَائِمِهِ. الرابع: وَأَنْ لَا يَكُونَ مُتَقَوِّيًا بِنَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ. الخامس: وَأَنْ يَمُوتَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى ذَبْحِهِ ([48])).
6- من فوائد الحديث أنه يجوز اقتناء الكلب للصيد والماشية والحراسة فقط، وأما اقتناء الكلاب لغير ذلك فلا يجوز، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم ([49])).
7- جواز قتل الكلب الأسود البهيم الذي ليس فيه
بياض، وهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فعن جابر بن عبد الله رضي الله
عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن المرأة تقدم من
البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال: (عليكم
بالأسود البهيم ذي النقطتين، فإنه شيطان ([50])).
يوسف طه السعيد
المصادر
([1])
أخرجه البخاري:7/87، (5483).
([2])سورة
المائدة: الآية: (69).
([3])
سورة المائدة: الآية: (95).
([4])
ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ (461)؛ وصحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح
مذاهب الأئمة:2/ (351).
([5])
ينظر: كشاف القناع: 6/ (213).
([6])
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي: 3/ (9).
([7])
سورة المائدة: الآية: (69).
([8])
ينظر الشرح الكبير للدردير: 2/ (108)؛ مطالب أولي النهى: 6/ (340).
([9])
أخرجه مسلم: 3/1549، (1957).
([10])
ينظر: الشرح الكبير على شرح المقنع:11/ (39) وما بعدها.
([11])
سورة المائدة: الآية: (96).
([12])
سورة العنكبوت: الآية: (67).
([13])
اخرجه البخاري: 2/92، (1349).
([14])
ينظر: نهاية المحتاج الى شرح المنهاج: 8/ (124).
([15])
ينظر: كشاف القناع: 6/ (213).
([16])
ينظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 2/ (107).
([17])
أخرجه البخاري: 8/30، (6129).
([18])
ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 28/ (114).
([19])
ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 28/ (114).
([20])
ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: 28/ (114).
([21])
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي:3/ (8).
([22])
ينظر: مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج: 6/ (94).
([23])
ينظر: الدر المختار حاشية ابن عابدين:6/ (461)؛ وشرح مختصر خليل للجرشي: 3/ (9)؛
ونهاية المحتاج:8/ (112)؛ والمغني لابن قدامة: 9/ (366)؛ ومغني المحتاج الى معرفة
معاني الفاظ المنهاج: 6/ (95).
([24]) ينظر الدر المختار حاشية ابنعابدين:6/ (462).
([25])
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي:2/ (103)؛ الدر المختار حاشية ابن عابدين:6/
(461)؛ وشرح مختصر خليل للجرشي: 3/ (9)؛ ونهاية المحتاج:8/ (112)؛ والمغني لابن
قدامة: 9/ (366)؛ ومغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج: 6/ (95).
([26])
سورة المائدة: الآية: (5).
([27])
ينظر: بدائع الصنائع: 5/ (45).
([28])
سورة البقرة: الآية: (173).
([29](
ينظر: مغني المحتاج: 6/ (98).
([30])
ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ (462).
([31])
ينظر المغني: 9/ (366).
([32])
ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ (474).
([33])
ينظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 4/ (473).
([34])
ينظر: مغني المحتاج: 6/ (110).
([35])
ينظر الفقه الاسلامي وأدلته للزحيلي: 4/ (2814).
([36])
سورة المائدة: من الآية: (4).
([37])
ينظر: تفسير الطبري:9/ (543).
([38])
سورة المائدة: من الآية: (4).
([39])
ينظر: مغني المحتاج: 6/ (111)؛
([40])
ينظر: المغني: 9/ (369).
([41])
حديث الباب تقدم تخريجه.
([42])
ينظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ (462).
([43])
سورة الأنعام: من الآية: (121).
([44]) سورة
المائدة: من الآية: (4).
([45])
أخرجه البخاري: 7/86، (5478).
([46])
سيأتي تخريجه.
([47])
أخرجه البخاري: 3/142، (2507).
([48])
ينظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 6/ (462).
([49])
أخرجه البخاري: 7/87، (5480).
([50])
أخرجه مسلم: 3/1200، (1572).
إرسال تعليق