iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

خطورة رواية الأحاديث الضعيفة وما في سندها متهم بالكذب

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

خطورة رواية الأحاديث الضعيفة وما في سندها متهم بالكذب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

معلومٌ أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وكما لا يخفى على الجميع أن العلماء اعتنزا بها اعتناءً كبيراً من ناحية الحفظ، والتدوين، والتمحيص، وذلك لتمييز صحيحها من سقيمها، وحرصاً منهم على عدم اختلاط كلام النبي عليه الصلاة والسلام بكلام غيره. ولأجل ذلك قعَّدَ العلماء مجموعة من القواعد التي ساروا عليها في جوب التثبت في نقل الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريم رواية الأحاديث المكذوبة عليه، ومن هذه القواعد والمفاهيم مفهوم (الحديث الضعيف). والحديث الضعيف: هو ما فقد شرطًا من شروط القبول عند أهل الحديث، سواء كان ذلك بانقطاع في السند، أو ضعف ضبط الراوي، أو اتهامه بالكذب، أو الشذوذ أو العلة القادحة.

أما الحديث الذي في سنده متهم بالكذب، فهو حديث شديد الخطورة؛ لأن الرواية عن الكذاب تفضي إلى نشر الباطل ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ظلمًا وزورًا وهو ما حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام أشد التحذير.

تحذير علماء الحديث من نقل الأحاديث الضعيفة والموضوعة

لعلماء الحديث حماة السُنة جهد كبير حول التحذير من رواية هذا النوع من الاحاديث، وجاء هذا التشديد من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". ولا يخفي على ذي لبٍّ أن هذا وعيد شديد يوضح خطورة الكذب أو نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك قال مسلم في مقدمة الصحيح: "اعلم - رحمك الله - أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عُرف صحة مخارجه...". ومن قبله قال الإمام مالك رحمه الله: "لا تأخذوا العلم عن أربعة: سفيه معلن بالسفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا تتهمه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل صالح عابد، لكنه لا يعرف ما يحدث به".

وذلك لانَّ الافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم: وهو من الكبائر العظيمة، ويترتب عليه الوعيد الشديد، كما يترتب عليه فساد كبير منه:

-       فساد في المسائل العقدية والأحكام الفقهية: حيث تؤدي الأحاديث الضعيفة فتح الباب لنشر ما يبتدعه الناس وممارسات خاطئة لا أصل لها في الشرع اعتماداً على تلك الاحاديث الغير صحيحة.

-       نقل صورة مشوهة عن الإسلام: وهو ما يعود سلباً إلى نشر مفاهيم خاطئة ومغلوطة تنافي مبادئ الإسلام الحقيقية الصحيحة.

-       إضعاف الاستدلال بحجية الحديث: وذلك أن رواية الاحاديث الضعيفة والمكذوبة واختلاطها بالصحيحة، يؤدي إلى التشكيك في مصادر التشريع الاسلامي.

ولأجل ما سبق كان لعلماء الحديث موقف ثابت من رواية الاحاديث الضعيفة في مسائل الاعتقاد والأحكام، أجمعوا على عدم جواز الاستدلال والاحتجاج بالأحاديث الضعيفة في مسائل العقيدة والأحكام الشرعية.

كما أنهم اختلفوا في جواز روايتها في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب، فذهب جمع من العلماء ولا سيما المتأخرين منهم إلى التساهل في رواية الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال لكن بشروط، منها:

-       ألا يكون الحديث شديد الضعف.

-       أن يكون في إطار العمل بالحديث الصحيح.

-       ألا يعتقد أنه منسوب يقينًا للنبي صلى الله عليه وسلم.

مثال على ترك الصحيح وتصحيح الضعيف

أخرج ابن ابي الدنيا في قضاء الحاجات: 54/ 47 قال: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، حَدَّثَنِي الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَكُنْ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ»

وهو حديث لا يصح لوجود مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ وهذا الراوي كان قد حكم عليه علماء الجرح والتعديل بالتجريح فمنهم من (كذبه ومهم من قال متروك الحديث).

قال ابن القيسراني: "حَدِيث من يكن فِي حَاجَة أَخِيه، يكن الله فِي حَاجته. رَوَاهُ الْمُنْكَدر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: عَن أَبِيه، عَن الْحسن بن أبي الْحسن، عَن جَابر. والمنكدر لَيْسَ بِشَيْء"([1]).

وابن زبالة هو: محمد بن الحسن بن أبي الحسن، زبالة، أبو الحسن، القرشي، المخزومي مولاهم، الزبالي، المدني، حجازي

وقال النسائي: محمد بن الحسن بن زبالة مديني متروك الحديث([2]).

قال ابن عدي: وابن زبالة هذا له غير ما ذكرت، وأنكر ما روى حديث هشام بن عروة: فتحت القرى بالسيف([3]).

 وقال ابن ابي حاتم: " ضعفاء مشايخ أهل المدينة"([4])، وقال عبد الرحمن: سألت أبي عن ابن زبالة فقال: واهي الحديث، ضعيف الحديث، ذاهب الحديث، منكر الحديث، عنده مناكير، وليس بمتروك الحديث، سئل أبو زرعة عن محمد بن الحسن بن أبي الحسن فقال: هو ابن زبالة، وهو واهي الحديث"([5]).

سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: محمد بن زبالة حجازي، عن عبد العزيز ومالك عنده مناكير. قال ابن معين: كان يسرق الحديث([6]).

وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: كذابا المدينة: محمد بن الحسن بن زبالة، ووهب بن وهب أبو البختري، بلغني أنه كان يضع الحديث بالليل على السراج([7]).

وقال مسلم بن الحجاج: محمد بن زبالة غير ثقة([8]).

وقال الدارقطني: متروك([9]).

 

والحديث صححه الالباني في السلسلة الصحيحة (2361) وقال: "لكن الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث ابن عمر، سبق تخريجه برقم (504) وهو متفق عليه. وشاهد آخر من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعاً به. أخرجه أحمد (4 / 104) من طريق ابن جريج عن ابن المنكدر عن أبي أيوب عن مسلمة بن مخلد مرفوعاً. فهذا هو المحفوظ عن محمد بن المنكدر. ورجاله ثقات رجال الشيخين.

قلت: ولا أعلم لِمَ هذا الإصرار في تصحيح الضعاف أمام وجود الصحيح المجزوم بصحته، علماً أن تصحيح الضعيف لن يزيد بحكم شرعي ولا عقدي، لكنه الهوس في تصحيح المناكير ومخالفة المتقدمين، علماً أن الثابت في هذا الحديث ما اخرجه البخاري (2442) ومسلم (2580) من طريق ابن عمر رضي الله عنه: " حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»".

ورغم أن الحديث في شاهد لابن عمر رضي الله عنه الا أن هذه حجة غير كافية لتمرير أحاديث من حكم عليهم الائمة بالضعف، وذلك حتى لا يُصحح غيره بنفس الطريقة التي لم يغفل عنها الأوائل.

ثم لو أننا اكتفينا بما صححه البخاري ومسلم بالحديث الساطع اللامع النقي الصافي لكان خير من تصحيح حديث في سنده من هو متهم بالكذب إذ ان هذا الامر سيفتح أبواب كبيرة تُصحح فيها أحاديث مكذوبه وضعيفة أعلها نجوم عصر الرواية وهذه التصحيحات ما تزيد الامة الا افتراقاً وتمزقاً ومن لا يسعه تصحيحات وإعلالات عصر الرواية لا يسعه غيرها وستجده كل يوم بوادي تائهاً حيراناً.

لذلك ينبغي للمسلم أن يكون حريصًا على تحري الدقة في صحة ما ينقله ويعزوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وألا يروي الاحاديث ويتناقلها حتى يتثبت من صحتها من خلال مصادرها المعتبرة. كما يجب على العلماء والدعاة تنبيه الناس إلى خطورة رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وذلك حفاظًا على السنة المطهرة نقية صافية وحمايةً أصول وفروع أحكام الاسلام من التحريف والتزييف.

نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا من المدافعين عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

وكتبه

يوسف طه السعيد

1 / ربيع الاول 1439 هـ



([1]) ذخيرة الحفاظ: (4654)

([2]) الكامل في الضعفاء: (7 / 370).

([3]) الكامل في الضعفاء: (7 / 370)

([4]) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (7 / 227)

([5]) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (7 / 227).

([6]) الكامل في الضعفاء: (7 / 370).

([7]) تهذيب الكمال: (25 / 60).

([8]) تهذيب التهذيب: (3 / 540).

([9]) تهذيب التهذيب: (3 / 540).

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث