iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

من طال عدوانه زال سلطانه

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

من طال عدوانه زال سلطانه

تقديم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

أما بعد ...

إن أمة الإسلام اليوم تعيش في وقتٍ شديد الظلم، وهذا الظلم عاماً في جميع شؤونها العامة والخاصة، ويمكن وصفه بأنه كبيراً عظيماً وعاقبته وخيمة في الدارين، لذلك نهى الله تعالى عن الظلم فقال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَلا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾([1])، أي أن الله لا يغفل عن ظلم الظالمين، ولكن يمهلهم ليوم قبل الحساب حيث ينالون جزاءهم في الدنيا قبل الاخرة.

وقد بيَّن العلماء وعرَّفوا الظلم تحت المنظور الشرعي فقالوا، هو: التعدي عن الحق إلى الباطل، وقسموه إلى قسمين: ظلم أكبر، وظلم أصغر، فالظلم الأكبر هو الكفر، أما الأصغر فهو ما دون الكفر من التجاوزات التي منها كبائر الذنوب وصغائرها. قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي"، وقال الإمام العيني: "الظلم أصله الجَوْر، وهو مجاوزة الحد الشرعي، ومعناه: وضع الشيء في غير موضعه الشرعي".

فالشريعة جاءت ببيان الأمور وتوضيحها، وتوضيح موضع كل شيء، فمن خالَف ذلك ووضع الشيء في غير موضعه فهو ظالم؛ ولذا كان أعظم الظلم وأشده وأشنعه وأبشعه، هو الشرك بالله جل وعلا: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾([2])، فأعظم الظلم على وجه الأرض هو أن تُوضَع العبادة في غير موضعها، فيُتَّجَه بها إلى غير الله المستحق للعبادة، ومنه أشده وأهلكه، ظلم العباد والتجبر على البلاد حتى يقطع الله العدل دابر الظالمين، ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾، فلم تَبْقَ لهم باقية إلا باقية الذكر واللعن لهم؛ قال الله: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾([3]).

ذم الظلم في الشريعة الإسلامية

مرَّ معنا أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وهو نوع من أنواع الجور والتعدي؛ إذ هو انحراف عن العدل. والظلم في الشريعة الإسلامية أنواع، قال بعض العلماء أن الظلم ثلاثة([4]) :

الأول: أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى. وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}([5])، وإياه قصد بقوله: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}([6]).

الثاني: ظلم بينه وبين الناس: وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}([7])، وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}([8]).

 الثالث: ظلم بين العبد وبين نفسه: وإياه قصد بقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}([9])، وقوله على لسان نبيه موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}([10])، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.

قال الذهبي: "الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء"، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، نقل عن بعض السلف قوله: "لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء"، ثم عدد صورًا من الظلم منها:

أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر.

ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر.

وقد وردت النصوص تذم الظلم: قال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا}([11])، وقال سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}([12])، وقال: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}([13])، وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}([14])، وقال: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}([15])، وقال: {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}([16])، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه.

أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([17]).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}»([18]).

وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»([19]).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين»([20]).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا»([21]).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل»([22]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»([23]).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم".

وكان معاوية رضي الله عنه يقول: "إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله".

وقال أبو العيناء: "كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله".

وقال يوسف بن أسباط: "من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه".

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه".

وقال أبو ثور بن يزيد: "الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه".

وقال غيره: "لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم، لأوشك أن تخرب".

وقال بعض الحكماء: "اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت".

وكان يزيد بن حاتم يقول: "ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك".

وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة".

ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ: "يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌبَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}([24]).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام".

وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ}([25])، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.

مر رجلٌ برجلٍ قد صلبه الحجاج، فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا منادٍ ينادي، حلمي على الظالمين أحلَّ المظلومين في أعلى عليين.

وقيل: "من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه"، ويقال: "من طال عدوانه زال سلطانه". قال عمر رضي الله عنه: "واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة".

وقال عليٌّ رضي الله عنه: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى"، وقيل: "أظلم الناس من ظلم لغيره"؛ أي لمصلحة غيره.

وقال ابن الجوزي: "الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر".

وقال ابن تيمية: "إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة".

ويروى عنه أيضاً قوله: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

قال ابن القيم رحمه الله: "الظلم له عاقبة وخيمة، وهو سبب لدمار الأمم وزوال النعم".

فالظلم من كبائر الذنوب التي لعنة الله ورسوله منها، وهو سبب لهلاك الأمم وزوال النعم. فيجب على كل إنسان أن يتحرى العدل في أقواله وفعاله، ويتجنب الظلم بكل أشكاله، ليتمتع برضوان الله في الدنيا تجريبية.

 الظلم الحكومي في العالم العربي

يُعتبر الظلم الحكومي في العالم العربي أحد أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات، ويتجلى هذا الظلم في انتهاك حقوق الإنسان العربي الأساسية، مما يؤدي إلى تراجع الحريات العامة والخاصة ومنها التعلم الديني والعبادات مع تزايد في القمع في هذا الجانب، وهذا له نتائج وخيمة، ومن هذه النتائج أن هذا الظلم سبب للهلاك كما مرَّ معنا، قال الله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم ماوْعِدًا﴾([26])، من جهة أُخرى فإن الحكومات العربية غالبًا ما تستخدم أساليب قمعية لتثبيت سلطتها، مما يؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمواطنين نفسياً واجتماعياً واقتصادياً، كما أن الإحصائيات تشير إلى أن العديد من الدول العربية تعاني من انتهاكات صارخة لحقوق الفرد عوضاً عن المجتمع، حيث يتم تقييد الحريات الإعلامية والسياسية والدينية. كما يُعاني المعارضون من الاضطهاد والظلم والوشايات، ناتجٌ عن ذلك بيئة من الخوف والقلق والاضطراب.

وهنا يجب علينا أن نتساءل عن العوامل التي أدت إلى هذا الواقع المر وكيف يمكن للمجتمعات العربية أن تتجاوز هذه التحديات، ولعلنا نعرج عليها لاحقاً.

أولاً: تعريف السياسات القمعية وأشكالها

تُعرّف السياسات القمعية بأنها القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومات لإقصاء المعارضين والسيطرة على المجتمع، وتشمل هذه السياسات استخدام العنف، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، كما تشمل أيضاً التضييق على الحريات الفردية.

وغالباً ما يظنُّ الواحد منهم أن هذه الأساليب فيها نصر وتمكين وديمومة، ولو قلنا جدلاً أنهم بهذا الظالم استطاع الواحد منهم أن يقمع شعبه لمدة، ألا يعلم أنه لا دوام لظالم، قال تعالى: ﴿وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾([27])، والتأريخ محشو بالشواهد على لمثل هذا الحال، وما سوريا عنا ببعيد.

وكذلك معلوم لدى القاصي والداني أن الحكومات العربية تتخذ السياسات القمعية بأساليب وأشكال متعددة لقمع خصومها، منها: تشريع القوانين التي تحظر التجمعات السلمية، فلها صلاحية تشريع قوانين تصب لصالحها متى وكيف وأين أرادت، وكذلك الرقابة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل بصورة كبيرة جداً، والهجمات على النشطاء والمدافعين عن الحريات المنضبطة وحقوق الإنسان المستحقة شرعاً وعقلاً.

إن فهم هذه السياسات القمعية وأشكالها يمكن أن يساعد في توضيح الصورة الكاملة للواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية، وعليه لابد من تشخيص الأسباب الحقيقية التي بموجبها تجد تلك الحكومات دوافعها لظلم الناس والتعدي على حقوقهم.

ثانياً: أسباب انتشار القمع في الحكومات العربية

تُعتبر أسباب انتشار القمع والاضطهاد التعسفي في الحكومات العربية متعددة الأبعاد والجوانب، منها.

1-  تعزيز مبدأ السلطة الشخصية، والتمسك بالكرسي، والاستمرارية في الحكم وهذا الجانب هو الدافع الرئيسي والاهم وراء هذه السياسات.

2- انتشار الفساد وضعف المؤسسات الحكومية والمحسوبيات وتسيس القضاء وعد استقلاله والتأثير عليه يؤدي إلى غياب المساءلة والمراقبة، مما يُعزز من قبضة الحكومات على السلطة.

3- الاعتقاد أنه الأولى والأوجب شرعاً، منطلقاً من معتقدات دينية مبنية على أحداث تأريخية الغالب والاعم منهم مكذوب مزور، أو مؤول بتأويلات خاطئة ومحرفة.

4- تلبية أجندات خارجية لتمرير سياسات معينة، واطماع مختلفة.

وخير دليل على ذلك ممكن الاستشهاد به الأحداث التاريخية الاخيرة مثل الربيع العربي تُظهر كيف أن الحكومات تلجأ إلى القمع عندما تشعر بأن سلطتها مهددة، وكذلك الحكومتان الإيرانية والعراقية، فهاتان الحكومتان تريان أنها الأوجب لإدارة الدولة وهي المخولة لبناء وتأهيل الناس لاستقبال الامام الحجة المنتظر عندهم.

ثالثاً: تأثير السياسات القمعية على الحريات العامة

معلوم لكل متابع أن السياسات القمعية تؤدي إلى تقويض الحريات العامة المنضبطة تحت الاُطر الشرعية والعرفية والاخلاقية بشكل كبير، فبدون حرية التعبير المنضبط البنَّاء يصبح من المستحيل على الأفراد أن يعبروا عن آرائهم أو ينظموا أنفسهم.

فالنتيجة من هذه السياسات القمعية تسبب في فقدان الثقة بين الحكومات وشعوبها، مما يُعزز مشاعر الاستياء والامتعاض والغضب الناتج لهذه السياسات وبالأساليب المتاحة والمتعارف عليه ومنها الاحتجاج.

لذلك يمكن القول إن التأثير طويل الأمد لهذه السياسات يمكن أن يؤدي إلى تآكل المجتمع المدني وزيادة الانقسامات الاجتماعية.

رابعاً: ممارسة التعذيب ونسف الحقوق

تُعتبر ممارسات التعذيب من أبشع وأشنع انتهاكات الحقوق للشعوب عامة وللمسلمين في بلدانهم خاصة والتي تمارسه الحكومات القمعية بحقهم. إذ تُستخدم هذه الممارسة لإسكات المعارضين وكسر إرادتهم ولجم مطالباتهم المشروعة. كما تشير منظمات حقوق الإنسان إلى أن التعذيب يمارس بشكل ممنهج في العديد من الدول العربية، مما يُظهر مدى الاستهتار والاستخفاف بحقوق الأفراد والمجتمعات، مما يوجب ويلزم أن تُواجه هذه الانتهاكات بمزيد من الضغط الداخلي المشروع والمنضبط، كما أحب أن أنوه أنه لا يعول على طلب النصرة مما يُسمى بالمجتمع الدولي لمناصرة حقوق الإنسان، وذلك أن الاتكال عليه لم تكن مُنجعة ونافعة وخير شاهد ما حدث ويحدث في فلسطين وسوريا والعراق وغيرها، وقد قالوا (المجرب لا يُجرب)، لكن تبقى هي إحدى وسائل الضغط.

خامساً: دور الإعلام في توثيق الانتهاكات

يلعب الإعلام دورًا حيويًا في جانبين متناقضين:

الأول: ما يكون في صف الظلمة وتبرير ظلمهم وقمعهم وتوفير الالة الإعلامية الازمة من الشخوص والأدوات والخامات المزورة والمحرفة والمضللة لتبرير تلك المظالم.

والجانب الثاني: ما يكون مناهضاً للظلمة، فيقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الشعوب، وتغطي وسائل الإعلام هذه الانتهاكات بصورة منصفة وحقيقية، وتسهم في رفع الوعي حولها.

لكن هذا الجانب، تواجه وسائل إعلامه في العالم العربي تحديات كبيرة، حيث تُفرض القيود وتتعرض للهجمات من قبل الحكومات، لكن يبقى الإعلام المستقل المنصف والغير مسيس هو الأمل في إحداث تغيير جذري وحقيقي في إيصال الحقائق، ويجب دعم جهوده لتوثيق الانتهاكات.

سادساً: الآثار النفسية على المجتمعات المظلومة

معلوم أن السياسات القمعية تترك آثارًا نفسية عميقة السوء في المجتمعات، إذ يشعر الأفراد بالخوف والقلق الذي يؤثر على حياتهم اليومية، كما أن هذه السياسات تتسبب أيضًا في ارتفاع معدلات الاكتئاب والتوتر والاضطراب بين الناس، مما يزيد من تفكك المجتمع، فتتطلب هذه الآثار استجابة شاملة من قبل الحكومات العادلة والمجتمعات الواعية لتعزيز الصحة النفسية ورعاية الأفراد.

سابعاً: تأثير القمع على الاقتصاد المحلي

لا شك أن الاقتصاد المحلي يُعاني من تأثيرات سلبية بسبب السياسات القمعية، فعندما تخاف الشركات من الاضطرابات السياسية والخوف من التحايل عليها بطرق ملتوية للاستيلاء على مواردها ظلماً وجوراً، فإنها تتجنب الاستثمار.

كما تؤدي هذه السياسات أيضًا إلى فقدان الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، مما يزيد من تفاقم الأزمات الاقتصادية في البلاد، مما يعود سلباً في توتر الأوضاع، وزيادة في تكبير الشرخ بين الحكومات وشعوبها.

إن تحسين الأوضاع الاقتصادية يتطلب تغييرات سياسية جذرية تسمح بالحريات والاستثمار بالطرق الشرعية التي بينها الشارع الحكيم وشجع عليها..

ثامناً: حركات المقاومة الشعبية وأشكالها

مرَّ بنا عبر اطلاعاتنا التاريخية والمعاصرة أنه بين حين وآخر تظهر حركات مقاومة شعبية كوسيلة للتصدي للظلم والقمع، تلعب هذه الحركات دورًا مهمًا في تنظيم المجتمع ونشر الوعي كلما تجردت من التدخلات الخارجية، فتتخذ هذه الحركات أشكالًا متنوعة، مثل الاحتجاجات السلمية، الحملات الإعلامية، والتوعية الحقوقية، وبعض الأحيان تضطر الشعوب للتغيير عن طرق العمل المسلح عن طريق الانقلابات، أو الانتفاضات الشعبية، أو من تدخلات خارجية، وشواهد ذلك كثير.

إن الدعم الدولي المحدود دون التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الحركات يمكن أن يعزز من قدرتها على تحقيق التغيير.

خاتمة حول الحاجة للإصلاح والتغيير

إن الحاجة للإصلاح والتغيير في العالم العربي أصبحت ملحة، ولا سيما في بعض الدول التي يستشري بها الظلم أكثر من غيرها، كما في العراق وسوريا ومصر ولبنان واليمن. إذ يستدعي هذا الواقع إلى خلق سياسات أكثر إنسانية وشفافية من قبل الحكومات.

ويجب أن تتمتع المجتمعات بحقوقها الأساسية، وأهمها حرية العبادة وتعلمها، ونقد الظلم والجور والفساد إن كان النقد بنَّاء له قيمة.

إن تحقيق التغيير يتطلب تضافر الجهود من قبل الجميع، بداية من الأفراد، مرورًا بالمجتمعات ضمن ضوابط معتبرة تقودها أهل الحل والعقد ممن يتقي الله فيهم.

 

وكتبه

يوسف طه السعيد

 



([1]) (سورة إبراهيم: 42).

([2]) (سورة لقمان: 13).

([3]) (سورة يونس: 13).

([4]) من مقال: "لا تقربوا الظلم عاقبته وخيم لا تقربوا". رابط المادة: http://iswy.co/e. بتصرف.

([5]) [سورة لقمان:13]

([6]) [هود:18].

([7]) [الشورى:40]

([8]) [الشورى 42]

([9]) [فاطر:32]

([10]) [القصص:16]

([11]) [الكهف:59]

([12]) [الزخرف:76]

([13]) [آل عمران:57]

([14]) [ الكهف:49]

([15]) [فصلت:46]

([16]) [الشورى:45]

([17]) [الشورى:42]

([18]) صحيح البخاري: 4686.

([19]) صحيح مسلم: 2578.

([20]) صحيح البخاري: 2453.

([21]) جامع الترمذي: 2007.

([22]) صحيح مسلم: 1677.

([23]) صحيح مسلم: 2564.

([24]) [الأعراف:44].

([25]) [النساء:48].

([26]) (سورة الكهف: 59)

([27]) (سورة الشورى: 8).

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث