التحذير من الجرأة على الشريعة والقول بغير علم
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله أما بعد:
في زمان كثر فيه المتجرئون على دين
الله، نرى من يتحدثون في تفاصيل الشريعة، دون تأهل علمي أو فقه دقيق، فيقعون في
أخطاء جسيمة، تضلل الناس وتفسد التصور الصحيح للدين. والمفارقة المؤلمة أن هؤلاء
لا يجرؤون على الخوض في علوم الطب أو الفيزياء أو الهندسة، لكنهم يتجرؤون على
الشريعة، وهي أشرف العلوم وأخطرها أثرًا. وفي هذا المقال الذي اختصرته من رسالة مطولة نسلط الضوء على هذه الظاهرة،
ونعرض الرد الشرعي المدعوم بالأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء.
أولًا: التحذير من القول على الله بغير علم قال
الله تعالى: {قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا
وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ
مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا
تَعۡلَمُونَ ٣٣}([1]).
قال ابن القيم: "فجعل القول عليه بلا علم في المرتبة العليا من
المحرمات، بل جعله آخرها، كأنه أشدها"([2]).
ثانيًا: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب قال
الإمام مالك: "لا ينبغي لأحد أن يُفتي في دين الله إلا رجل عارف بكتاب
الله... بصير بحديث رسول الله"([3]).
وقال الخطيب البغدادي: "ينبغي للناس ألا يتكلموا في العلم إلا من جهة
تخصصهم، ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب"([4]).
وقال ابن حزم: "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب"([5]).
ثالثًا: لا يؤخذ العلم إلا عن أهله قال عبد
الله بن المبارك: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما
شاء"، وقال ابن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون
دينكم"([6]).
وفي الحديث: قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا...
ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا
جُهّالًا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"([7]).
رابعًا: الفرق بين العلوم الدنيوية والشرعية العلوم
الدنيوية لا تؤثر في العقيدة والعبادة مباشرة، أما الشريعة فهي العلم بالله
وأحكامه، والكلام فيها بلا علم مخاطرة عظيمة. قال الشاطبي: "العالم إذا أخطأ
فاجتهد مأجور، وأما الجاهل إذا تصدّى للعلم فهو المفسد الحقيقي"([8]).
الخاتمة: التصدر
للكلام في الشريعة بغير علم خطر عظيم وجرأة على حدود الله. وقد نهى السلف عنه،
وحرمه القرآن والسنة، وحذّر العلماء منه في القديم والحديث. فواجبنا أن نرد الأمر
إلى أهله، ولا نأخذ ديننا إلا عن أهل التخصص الثقات.
والله الموفق.
إرسال تعليق