iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

تكون ملتزمًا دينيًا ببساطة؟

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

تكون ملتزمًا دينيًا ببساطة؟

استهلال

جاء في الحديثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"([1]).  

إن موضوع الالتزام والخوف منه؛ موضوع دعوي مهم؛ فهو يعالج التصورات الخاطئة حول الالتزام الديني، ويعيد تقديم الدين بصورة صحيحة تتماشى مع الفطرة، وتكسر الصورة النمطية التي تربط بين التدين والتشدد أو الجفاء.

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، والصلاة والسلام على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد:

يعتقد كثير من الناس أن الالتزام بالدين يعني التشدد والانغلاق، أو أن التدين يتطلب تغييرات جذرية في نمط الحياة يصعب على الإنسان العادي تحقيقها. وهذا التصور ناتج غالبًا عن صور مشوهة أو مغلوطة للدين، أو نماذج من المتدينين لم يحسنوا تمثيله أو نقل الصورة البهية له. والحقيقة أن الإسلام دين يسر وتيسير ورحمة، يدعو للالتزام التدريجي، ويركز على سلوك القلب والنية الصادقة قبل المظهر الخارجي.

ما هو الالتزام الديني؟

الالتزام في جوهره هو: استسلامٌ ظاهرٌ وباطنٌ لله تعالى، واتباعٌ لأوامره، واقتداءٌ بسنة نبيه ﷺ، مع الإحسان إلى النفس والناس.

فهو ليس شكلًا خارجيًا فقط، بل يبدأ من داخل النفس. قال النبي ﷺ: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"([2]).

هل الالتزام صعب؟

كثير من الشباب والشابات يغلب على ظنه أن الالتزام صعب، وهو ليس كذلك، بل هو في متناول الجميع، لان الله الرحمن الرحيم جعله سهل ميسر. قال الله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"([3]).

وقال ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا"([4]).

ولا يخفى على كبير علمكم أن من مقاصد الشريعة التيسير ورفع الحرج، والالتزام لا يعني الكمال، بل يعني النية الصادقة والاجتهاد مع التقصير البشري الطبيعي.

صور خاطئة عن المتدينين

كثير من الناس لديه نظرة خطئة حول المتدينين، وهذه النظرة لم تأتي من فرغ؛ إنما بناءً على تصورات مغلوطة، حصلت من الشخص الملتزم نفسه، ومن هذه التصورات:

1.  التشدد في غير موضعه: كمن يشدد في اللباس أو العبادات على غير علم.

2.  الجمود والعزلة: كأن التدين يعني الانقطاع عن الناس.

3.  غياب البشاشة أو التيسير: وهذا مخالف لهدي النبي ﷺ الذي كان من أبعد الناس عن الغلظة.

قال أنس رضي الله عنه: "خدمت النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي: أف قط"([5])، وكان خلقه السماحة، وقال: "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا"([6]).

كيف أكون ملتزمًا ببساطة؟

1.  ابدأ بالنوايا: أصلح قلبك، واطلب رضا الله، قال ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات"([7]).

2.  ابدأ بالأعمال الظاهرة اليسيرة:

o      المحافظة على الصلوات.

o      قراءة القرآن يوميًا ولو وجهًا.

o      الأذكار اليومية.

o      تجنب الكبائر.

3.  التدرج والواقعية:

o      قال النبي ﷺ: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق"([8])، فلا تتكلف فوق طاقتك.

4.  الصاحب الصالح: قال النبي ﷺ: "المرء على دين خليله" ([9]).

5.  اطلب العلم شيئًا فشيئًا: تعلم الفرض العيني (مثل: الطهارة، الصلاة، أحكام المعاملات). واستعن بكتب ميسرة كـ "رياض الصالحين"، و"الأربعين النووية".

6.  تجمّل بالأخلاق: قال ﷺ: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"([10]).

أمثلة على الالتزام الميسر في السنة

·       الرجل الذي بال في المسجد: لم يزجره النبي ﷺ بعنف، بل قال: "دعوه، ثم صبوا عليه دلوا من ماء...([11]) "ثم نصحه بلطف.

·       المرأة البغي التي سقت كلبًا فغفر الله لها([12]).

·       الصحابي الذي سأل عن الحد الأدنى من العمل: فقال له النبي ﷺ: "أفلح إن صدق"([13]).

لا تجعل من ذنوبك حاجزاً لانضباطك

أيها الشاب، يا من أرهقته الذنوب [عُد]، فالباب مفتوح، والرحمة وسعت كل شيء.

كم من عبدٍ أثقله ماضيه، وأتعبه قلبه، وظن أن بينه وبين التوبة جبالاً من المعاصي لا تُزاح! وكم من قلبٍ توارى عن نور الطاعة خجلاً، يظن أن الذنوب التي ارتكبها سدّت عليه طريق العودة!

ولكن... اسمعها جيدًا: "إن الله يغفر الذنوب جميعًا".

قال تعالى: {قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣}([14])

هذه الآية، كما قال الإمام ابن كثير: "أرجى آية في كتاب الله"([15]). يخاطب الله بها المسرفين، لا التائبين الصالحين! من غرقوا في الذنوب ولم يبقَ في أعين الناس لهم وزن، ولكن عند الله لهم طريق، إن هم رجعوا وصدقوا.

جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: "إن عبدًا أذنب ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي..."([16]).

فمهما كان ذنبك... زنا، شرب خمر، ترك للصلاة، عقوق، ظلم... كل هذا لا يمنعك من التوبة، لأن الذي تتوب إليه هو الله، الرحيم، الغفور، الذي يفرح بتوبتك.

قال الإمام النووي: " وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَتَابَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ تَابَ عَنِ الْجَمِيعِ تَوْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ جَمِيعِهَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبُهُ: (اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) مَعْنَاهُ: مَا دُمْتَ تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ غَفَرْتُ لَكَ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا"([17]).

وقال: "في هذا الحديث حُسن ظنّ بالله، وترغيبٌ في التوبة والإنابة، مهما تكررت الذنوب، فإن الله لا يملّ حتى تملّوا".

واسمع هذا جيدًا، قال ابن القيم: "ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم جئت تائبًا، لغفرها الله لك ولا يبالي"([18]).

فلا تجعل الذنب حائلًا بينك وبين الطاعة، بل اجعل التوبة نفسها سلّمًا تعلو به، وتبدأ به حياة جديدة مع الله.

ابدأ الآن، لا تنتظر رمضان، ولا صحبة صالحة تأتيك... ابدأ بنفسك، والله معك.

خاتمة

الالتزام ليس عبئًا ثقيلًا، بل هو طريق للسعادة والسكينة، وكل ما يتطلبه هو صدق النية، والعمل بالقدر المستطاع، والتدرج، وحسن الصحبة، واللجوء إلى الله في كل حين.

قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب([19]) ".

 

وكتبه

يوسف طه السعيد

 



([1]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (660)، ومسلم في "صحيحه" (1031).

([2]) أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599).

([3]) سورة البقرة: 185.

([4]) أخرجه البخاري (39).

([5]) أخرجه البخاري (6038) ومسلم (2309).

([6]) أخرجه البخاري (69) ومسلم (1732).

([7]) أخرجه البخاري (1) ومسلم (1907).

([8]) أخرجه أحمد في "مسنده" (13252) والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (2115).

([9]) أخرجه الطيالسي في "مسنده" (2696) وأحمد في "مسنده" (8143) وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" (1431) وأبو داود في "سننه" (4833) والترمذي في "جامعه" (2378) والحاكم في "مستدركه" (7412).

([10]) أخرجه أحمد في "مسنده" (7332) والدارمي في "مسنده" (2834) وأبو داود في "سننه" (4682) والترمذي في "جامعه" (1162) وابن حبان في "صحيحه" (91).

([11]) أخرجه البخاري (6128) ومسلم (285).

([12]) أخرجه البخاري (3467) ومسلم (2245).

([13]) أخرجه البخاري (1397) ومسلم (11).

([14]) [سورة الزمر:53].

([15]) تفسير ابن كثير: 1/ 690.

([16]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (7507) ومسلم في "صحيحه" (2758).

([17]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 17/ 230.

([18]) انظر: مدارج السالكين: 1/ 194، و1/ 301، و، والفوائد: 134، طريق الهجرتين: 468.

([19]) سورة الطلاق: 2-3.

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث