iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

نداء الشباب - أيها العابر على جراح الجواهر، تذكر أن لك أختًا

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

نداء الشباب

أيها العابر على جراح الجواهر، تذكر أن لك أختًا

       القارئ الكريم...

لعلّك تجد بين ثنايا هذه الرسالة كلماتٍ صارخة، وعباراتٍ لاذعة، ولهجةٍ لا تخلو من الشدة والغلظة في مواضعها



بسم الله الرحمن الرحيم

يا من تُناديك نفسك لهواها، وتُغريك خطوات الشيطان بزينتها، قف لحظة تأمل…

وتذكّر أن للأنثى قلبًا، ولها بيتًا يذوب حنانًا في غيابها، وأبًا تنحني عظامه تعبًا من أجل سترها، وأمًا لا يغمض لها جفن حتى تسمع وقع خطواتها عائدة بسلام…

تذكّر أنها ليست لعبة لهواك، ولا لوحة لغريزتك، ولا وسيلة لإثبات رجولتك الزائفة…

وإنما هي جوهرةٌ مصونة، حُرمةٌ محرمة، إن مسستها بسوء فذاك الديَن عليك، واليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل…

فاستفق قبل أن يسبق الندمُ العزم، وتبكي على أطلال عمرٍ ضاع بين العبث والخيانة.

ففي زمنٍ استرخصت فيه الكلمة، وسُوّقت فيه العلاقات كأنها من ضرورات الحياة، يبقى القلب النقيّ يبحث عن الصدق، والروح الطاهرة تصرخ في زحام الصور والمحادثات:

أين العفّة؟ أين الرجولة؟ أين الدين؟

أيها القارئ الكريم...

لعلّك تجد بين ثنايا هذه الرسالة كلماتٍ صارخة، وعباراتٍ لاذعة، ولهجةٍ لا تخلو من الشدة والغلظة في مواضعها، ولعلك تسأل: لِمَ كل هذا؟ وهل في النصح موضع للخشونة؟

وأجيبك، معتذرًا لا خاضعًا، ومبينًا لا متراجعًا:

لأن الداء استشرى، والقلوب رقّت، والغيرة انطفأت، والحدود تكسّرت، فجاءت الكلمة كالمبضع في يد الجراح، يَجرح ليُشفي، ويقطع ليمنع الورم من التفشّي.

نعم، في النصيحة رفق، وقد فعلتُ، وفيها شدة، وقد أوجبها الحال. وإنّ المرّ من الدواء يُبلَع لأن الشفاء أكرم من العافية الكاذبة، وما قسوت في القول إلا رحمة، ولا صرخت إلا غيرة، ولا نبّهت إلا حبًّا في الإصلاح، لا شماتة ولا إهانة.

إنّ من واجب الأخ لأخيه، والأب لابنه، والغيور على أمته، ألا يُجامِل حين ترى السفينة تميل، ولا يسكت حين تُمتهن كرامات البيوت، وتُجترح الأعراض، ويُعصى الله باسم الحب، وتُكسر القلوب ثم تُترك وحيدة!

ما كتبته في هذه الورقات ليس تسلية، ولا رغبة في النصح الفارغ، بل هو نداءُ غَيْرةٍ، وصوتُ ضميرٍ، وصرخةُ من يُحبُّ أن يرى شباب الأمة أطهارًا كما كان يوسف في غربته، لا عبثًا ولا لهوًا ولا انهيارًا خلف سراب الشهوات.

فإن أصاب الكلامُ قلبك، فاحمد الله أن ما زال فيك خيرٌ يقبل الحق. وإن آلمك بعضه، فاعلم أن أشدَّ الناس نصحًا لك هو من يُريك وجعك كما هو، لا كما تحب أن تراه.

فيأيها الشاب…

لست وحدك في هذا الطريق.

خطواتك تُسجّل، ونياتك تُحصى، وكلماتك تُكتب…

وإن كنت تظن أن فِعلَك في السر يُنسى، فتذكّر أن الله يعلم السر وأخفى…

وأن المرأة التي تراسلها في جنح الليل، لتخدعها بكلمات الغرام، أو تغريها بوعد زائفٍ للزواج، لها أهل، لها بيت، لها كرامة…


الوقفة الأولى: العلاقات المحرّمة في ميزان الشرع والعقل والعُرف

أجمع العلماء على أن العلاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج الشرعي، علاقة محرمة، سواء بالقول أو الفعل أو النظرة أو المراسلة أو الخلوة. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا([1]). ولم يقل "لا تزنوا" بل قال "لا تَقْرَبُوا"، ليحسم الطريق من أوله، ويغلق الباب في وجه الشيطان.

وليس الدين وحده من يحرّمها، بل العُرف السويّ، والعقل النبيل، والفطرة السليمة، تُدرك قُبحها وخطرها.

فمن ذا الذي يرضى أن تكون أخته أو ابنته طرفًا في "علاقة" تحت مسمّى الحب، وهي لا تعدو أن تكون عبثًا مشينًا وتلاعبًا بالعواطف والمشاعر؟


الوقفة الثانية: من أنت حتى تعبث ببنات الناس؟

هل نسيت أن البنت التي تراسلها وتضحك عليها وتوهمها بالزواج...

لها أب يكاد ظهره ينكسر من العمل في قيظ الهجير وزمهرير الشتاء، يكدُّ ويشقى ليأتي بلقمةٍ وكسوةٍ ودفءٍ لابنته، ثم تأتي أنت لتُنكّس رأسه الشريف في التراب؟

لها أم سَهِرت الليالي، وقضَت عمرَها بين مخاضٍ وسُهاد، ووهبت من روحها قبل جسدها لتلك لابنتها، لتراها عروسًا بكرامة، لا مكسورة الذل والخاطر؟

لها أخ قد يُزهق روحه إذا علم أنها خُدعت من شاب باسم الغرام!

 أين نخوتك؟ أين شرفك؟ بل أين رجولتك؟

أترضى أن يُفعل بأختك كما تفعل أنت؟

أترضى أن تُكسر كرامة بيتك، وأن يُعبث بعِرضك؟

أما علمت أن "الجزاء من جنس العمل"؟

 وأن من يزرع الشوك لا يحصد الورد؟

فلا تتعجب إن أُصيب قلبك، أو انكسر زواجك، أو دُمِّر بيتك، لأنك كنت سببًا في بكاء فتاة، أو دمعة أم، أو انحناءة ظهرٍ لأب.


الوقفة الثالثة: أتخال أنها رجولة؟

أي رجولة هذه التي تُبنى على كسر القلوب؟

وأي شهامة تلك التي تُمارَس على أنقاض العفيفات؟

أم أنك نسيت أن «ما تفعله في بنات الناس، سيُفعل بأهلك»، فإن كنت اليوم خادعًا، فغدًا مخدوعٌ في بيتك، في كرامتك، في حُرمتك.

أيها العابث، رفقًا بمن لا تعرفها سوى على شاشة، ولا تعلم دموعها في غيابك كيف تهطل، ولا كيف ترتعد إذا سُمِعَت كلماتك في بيتها…

رفقًا بِـ أبٍ أفنى عمره ليؤمن لبنته مصروف لقمتها ومدرستها والجامعة، وهاتفًا يسّر لها به تواصلها مع المعلمات لا العاشقين.

رفقًا بأمٍّ تدعو الله في صلاتها أن يحفظ ابنتها من الذئاب… أمثالك!

هل تظن أن الحياة تمضي دون حساب؟ هيهات… ثم هيهات

كم من شابٍ ضحك على فتاة، فبكى عمره كله ندمًا حين وقع في نفس الفخ!

كم من عاشق مزيف، انقلبت عليه الدنيا حين انكشفت نواياه، فأذله الله وفضحه بين الخلق!

اعلم… أن حُرمة البنت ليست مجرد جسد، بل هي:

شرف أمة، وعرض قبيلة، ودين بينك وبين الله، فإن كنت لا تخاف الناس، فخف من دعوة أمٍ مكلومة، أو أخٍ مغبون، أو دمعة بنتٍ مكسورة.

فما أقسى الخيانة حين تأتي باسم الحب، وما أفظع الجريمة حين تُلفّ بغلاف الحنان. وأي عقل يقبل أن يضحك على بنت ويُوهمها بالزواج شهورًا وسنوات، ثم يُدير لها ظهره إذا شبع قلبه أو بَردت نار شهوته؟

يا هذا…!

أما رأيت أباك كيف يغضب إن شعر أن أحدًا اقترب من عرضك؟

أما رأيت أخاك كيف يستأسد إن بلغه أن نظرةً وقعت على أختك؟

فلماذا تفعله في أعراض الناس؟

قِف عند حدودك…

واعلم أن الرجولة ليست في كثرة العلاقات، ولا في جمع الصور والمحادثات، الرجولة دينٌ وعقلٌ وخلقٌ…

الرجولة في أن تترك المعصية وأنت قادر عليها، في أن تصون عِرض غيرك كما تصون عرضك.

سل نفسك قبل كل رسالة، وقبل كل كلمة:

هل أرضى هذا لأختي؟

إن لم تكن ترضاه، فلمَ ترضاه لغيرك؟

كن ابن من شئت واكتسب أدبًا

 

يُغنيك مَحمُودُه عن النسبِ

فليس يغنيك حُسنُ الوجهِ عن خُلقٍ

 

ولا جمالُ الثيابِ عن أدبِ

واعلم أن كل خطوة تخطوها نحو فتاة بغير حق، فإنها طريقك إلى نارٍ لا تطفئها دموعك.

واعلم أن لكل مظلوم دعوة، وإن كانت البنت ضعيفة، فهي قوية بالله القوي وهو معها…

فمن ذا الذي يجيرك من الله؟


الوقفة الرابعة: عفّة يوسف عليه السلام، وتاريخ الطهارة

ها هو نبي الله يوسف عليه السلام، شابٌّ في ريعان الشباب، في بلد غريب، بعيد عن أهله، محاط بجمال ومال وخلوة، والمرأة التي راودته ذات سلطان وجمال، قالت له: "هَيْتَ لَكَ" لكنه ماذا فعل؟  أشهر سيف الإيمان في وجه الشهوة، وقال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾([2]). ثم قال بعدها: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾([3]).

آثر السجن على التلذذ الحرام. واختار السُخرة([4]) في الزنزانة على أن يُلبِّس الطهر بالخيانة. وهكذا الرجال، وهكذا المؤمنون.

أين أنت منه؟

وأنت لا مال يُغريك، ولا جمال يسحرك، وإنما مجرّد "رسائل" تعبث فيها على قلبٍ رقيق، لتُسجَّل عليك ذنبًا بعد ذنب.


الوقفة الخامسة: سداد الديون

وقف الإمام الشافعي وقفة الفارس النبيل، وقال أبياته الخالدة في تربية النفس، والحياء، والعفّة، يهاب منها العاقل، ويُوجل منها الحليم، وينتبه منها الغافل، ويرتع منها السافل، فقال رحمه الله:

عفُّوا تعفُّ نساؤكم في المحرمِ

 

وتجنَّبوا ما لا يليقُ بمسلمِ

إن الزِّنى دينٌ فإن أقرضتهُ

 

كان الوفا من أهل بيتِك فاعلمِ

يا هاتكًا حُرَمَ الرجالِ وقاطعًا

 

سبلَ المودةِ عشتَ غيرَ مكرمِ

لو كنت حرًّا من سلالةِ ماجدٍ

 

ما كنت هتاكًا لحرمةِ مسلمِ

من يزنِ يُزنَ به ولو بجدارهِ

 

إن كنتَ يا هذا لبيبًا فافهمِ

من يزنِ يُزنَ به ولو بجدارهِ

 

إن كنتَ يا هذا لبيبًا فافهمِ

هذه الأبيات ليست شعرًا فقط، بل عقيدة حياة، وتربية قلوب، ورسالة لكل من سولت له نفسه بالحرام.


الوقفة السادسة: قصة شابٍ ندم بعد فوات الأوان

شاب في العشرينات، كان على علاقة بإحدى الفتيات، يواعدها ويمازحها ويكذب عليها بحديث الزواج، حتى أوقعها في الحرام.

ثم لما شبع، تركها كأنها لم تكن شيئًا. مضت سنوات، وتزوج هو بأخرى، وأنجب، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

ابنته الوحيدة في الثانوية، وقعت ضحية شاب فعل بها ما كان يفعله أبوها بالناس!

صرخ... بكى... كاد يُجن... ولكن: كما تدين تُدان.


الوقفة السابعة: الرجولة الحقة ليست في كثرة النساء

هل تظن أنك رجل بكثرة العلاقات؟

أو أنك جذّاب لأنك تتقن فن التلاعب؟

كلا والله... الرجل الحق هو من يُغضّ بصره، ويحفظ جوارحه، ويخشى الله في خلوته، كما قال النبي ﷺ: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله"([5]).


الوقفة الثامنة: تذكّر أنك تكتب تاريخك

أيها الشاب، اعلم أن الأيام تمضي، والعُمر لا يعود، وأنك تكتب اليوم صفحة من كتابك، وستقرؤها يومًا على رؤوس الأشهاد.

فاختر لنفسك ما تُحب أن تراه في صحيفتك، وتذكّر أن كل دمعة من فتاة خُدعت بك، ستُحاسب عليها، وكل وعد زائف ستُسأل عنه، وكل نظرة وكل لمسة، وكل كلمة!

فإن لم تكن تقيًّا، فكن نبيلاً، وإن لم تكن مؤمنًا، فكن حرًّا أبياً، فإن الله لا يضيع من اتقاه، ولا يكرم من خادع عباده، واسمع النداء الأخير:

يا غارسًا شوكَ الهوى سيجني ندمْ

 

وتذكّرِ الأيامَ تنقلبُ القِيمْ

دينُ القلوبِ مردَّهُ يوما إليك

 

فاصدقْ، تكن من أهلِ نورٍ لا يُضامْ

 

 

 

رسالة الختام…

إن كنت حرًّا كما تزعم، وكريم الأصل كما تتظاهر، فتذكّر:

لو كنتَ حرًّا من سلالةِ ماجدٍ

 

ما كنتَ هتّاكًا لحرمةِ مسلمِ

قف وقفة صدق، واسأل ربك العفة، فإن من ترك شيئًا لله عوّضه خيرًا منه، ولتكن علاقتك بالنساء كما أمرك الله: بالعفة، بالغضّ، بالستر، بالتقوى.

وإياك أن تظن أن الجمال في كسر القلوب…

بل الجمال كل الجمال في رجلٍ يُغضّ بصره، ويحفظ لغيره حُرمته، كما يحب أن تُحفظ له حرمته. فاختر لنفسك طريق النبلاء… لا درب الخاسرين.

اللهم يا هادي الحيارى، ويا من لا يردُّ من لجأ إليه، ويا من إذا استُفتِح بابهُ بالدموع فتح، وإذا طُرِق بجراح القلوب فَسَح...

نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العُلى أن تهدي شباب المسلمين وفتياتهم إلى سواء السبيل، وأن تُحيي في قلوبهم العفّة، وتُطفئ نار الهوى، وتردّهم إليك ردًّا جميلاً.

اللهم اجعل قلوبهم كقلب يوسف، تُغلق الأبواب وتقول: "معاذ الله"، واجعلهم ممن عصموا أنفسهم في الخلوات، وعلّقوا قلوبهم بك لا بالشهوات، وأكرمتهم كما أكرمت يوسف في ظلمة السجن بعد ظلمة الابتلاء، وأخرجتهم إلى نور الطهر والحياء.

اللهم من أراد ببنات المسلمين سوءًا فاشغله في نفسه، واصرف كيده عنهُن، ومن أراد بشباب المسلمين فتنةً، فاجعل كيده في نحره، واجعلنا وإياهم من أهل الصلاح والعفاف والستر.

اللهم استر بنات المسلمين فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، وارزقهن الأزواج الصالحين، والقلوب الراجفة من خشيتك، والأعين الباكية من حبك، والأجساد الساجدة شكراً لك.

اللهم اجعل كل علاقة حرام تنكسر وتنقطع وتُنسى، وكل حب محرَّم يموت في مهده، واجعل بدلًا منها حبًا لك، ورجوعًا إليك، وتوبة لا تنكسر بعدها نفس ولا يُفضَح بعدها سر.

اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، واجعلنا ممن يقولون الحق في زمن التزييف، ويغارون على الأعراض في زمن التهاون، ويحملون همّ الأمانة يوم ضاعت في قلوب كثيرين.

وصلِّ اللهم وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

وكتبه

راجي عفو ربه الحميد يوسف طه السعيد

غفر الله له ولوالديه

04/07 / 2025 م - 9 محرم ١٤٤٧ هـ



([1]) [الإسراء: 32].

([2]) [يوسف: 23].

([3]) [يوسف: 33].

([4]) العمل القهري الذي يُفرض على الإنسان دون أجر أو مقابل، وغالبًا يكون بالإكراه.

([5]) [رواه البخاري ومسلم].

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث