iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

سلسلة تحذير الأنام (6) ذم علم الكلام في العقائد

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

ذم علم الكلام في العقائد

كان أهل الحديث المتمسكين نهج الصحابة -رضي الله عنهم- لهم برنامجهم الخاص ببراءة الذمة في العقائد والعبادات وهو العض بالنواجد على الاثار، والوقوف عليها، يقابل ذلك خرجت فرقٌ زاغت وانحرفت وضلَّت، فحادت عن الجادة، وبدلت وانحازت لخرافات العقول، ونقص وعجز الفهوم، تاركين ما عمل به خير الناس من الصحابة والتابعين، ملتزمين كتب الفلاسفة وأهل الكلام، وغالب الحوارات معهم في صفات الله تعالى متعبة من جهة وخطرة من أُخرى؛ إذ تجدهم يحاولون مجتهدين بمكر جرَّك لمستنقع وحل علم الكلام بطريقة أو أخرى، وزجِّكَ في ترهات فلسفاتهم التي أخذوها عن الشرق والغرب، والتزامات لم يكن للسلف فيها خوض ولا اعتبار، ليمرغوك بطين سفاهة العقول كما هم غارقين، ليستمتعوا بوحلهم، وتتسخ أنت معهم، وهذه طريقة بائسة خبيثة، ومنهج معوج، وطريق منحرف لم يتمكن إمراره عامة كبارئهم وساداتهم على أهل الفطر السليمة من أهل الاسلام، الذين أعجزتهم حتى العجائز. رُويَ أنِّ الرازي لما زار نيسابور التف الناس حوله، فمر من أمام امرأة عجوز فسألت: من هذا؟ قالوا أمَا تعرفين الرازي الذي وجد ألف دليل علي وجود الله؟! قالت لو لم يكن في قلبه ألف شك لما أحتاج لألف دليل ودليل. فلما علم الرازي بقولها قال جملته المشهورة "اللهم إيمانًا كإيمان العجائز".

ولعلنا في هذا الباب ننقل بعض النصوص لكبار علماء ملتهم، للتمثيل لا الحصر، نبين فيها ندمهم على فناء أعمارهم وهم على طريقة أهل الكلام دون أهل الملة، والعاقل من تعبر بغيره، وقال بعضهم (المجرب لا يُجرب).

قال ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺍﺑﻴﺴﻲ ‏(ت ٢١٤ ﻫـ‏): الذي قال فيه أبو بكر بن الأشعث: كان أعرف الناس بالكلام بعد حفص الفرد، الكرابيسي([1]). ﻗﺎﻝ ﻟﺒﻨﻴﻪ ﻟَﻤَّﺎ حضرته الوفاة: "تعلمون أحداً أعلم بالكلام ﻣﻨﻲ؟ قالوا: ﻻ، قال: ﻓﺘﺘﻬﻤﻮﻧﻲ؟ قالوا: ﻻ، قال: فإني أُوصيكم، أتقبلون قالوا: ﻧﻌﻢ، قالوا: ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ أصحاب الحديث؛ ﻓﺈﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺤﻖ معهم"([2]).

وقال ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ ‏(ت ٢٢٩ ﻫـ‏): ‏"أنا كنتُ جَهْميًّا فلذلك عرفتُ كلامهم، فلمّا طلبت الحديث عرفت أنّ أمرهم يرجع إلى التّعطيل "([3]).

وقال أبو الحسن الأشعري (ت ٣٢٤ ﻫـ ‏) ذلك الذي قضى أربعين عاماً في الاعتزال عند زوج أمه أبو علي الجبائي المعتزلي، ثم انحاز لعقيدة ابن كلاب، ثم هداه الله فقال: "قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روى عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيعَ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم"([4]).

وهنا ملحوظة هامة ينبغي الانتباه عليها، وهي أنَّ كل من خاض في علم الكلام وهذه الأمور الجدليِّة بغير هدىً من الله، ضل وتخبط وحار وندم، والسعيد منهم الذي تدارك التيه الذي كان فيه كما تدارك غيره، فهذا أبو المعالي الجويني يقول عند الموت: لقد ركبت البحر الخضم وخضت فيما نهى عنه علماء الإسلام، وهأنذا أموت على دين عجائز نيسابور، فالويل لابن الجويني إن لم يغفر له الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. انتهى. وصدق عفا الله عنه فالويل كل الويل لمن مات على الضلال، وخرج عن هدي سيد الانام.

وهذا ابو عبدالله محمد بن عمر الرازي يقول في نهاية عمره.

نهاية إقدام العقول عقال

 

وغاية سعى العالمين ضلال

وارواحنا في وحشة من جسومنا

 

وحاصل دنيانا اذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

 

سوى ان جمعنا فيه قيل وقالوا

فكم قدر رأينا من رجال ودولة

 

فبادوا جميعاً مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها

 

رجال فزالوا والجبال جبال

وقال: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأينا اقرب الطريق طريقة القرآن، ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.

وهذا الشيخ محمد بن عبدالكريم الشهرستاني، لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والحسرة والندامة، حيث قال:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها

 

وسيرت طرقي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر

 

على ذقن أو قارعاً سن نادم

قال الجويني: يا اصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به.

وقال الخونجي عند موته: ومن يصل إلى مثل هذه الحال، ان لم يتداركه الله برحمته، تزندق، ومن طالب المال بالكيمياء، أفلس ومن طلب غريب الحديث كذب.

ومما يُذكر لنا ما بلغ من أمر الجهم نفيه الصفات الإلهية، والجهم وما أدراك ما الجهم، رأس الطائفة، وذروة سنامها، وشيخ العامة والخاصة بها، فقد كان الجهم من أهل خراسان، صاحب خصومات وكلام، فلقي أناسًا من المشركين يقال لهم: السمنية (نسبة إلى سومنات بلدة بالهند وهم البوذية) فعرفوا الجهم، فناقشوه، مطالبين إياه بتقديم الحجة على صحة دينه. وسألوه:

ألست تزعم أن لك إلهًا؟ قال الجهم: نعم، فقالوا له: فهل رأيت إلهك؟ قال: لا، قالوا: فهل سمعت كلامه؟

سألوه: هل رأى ربه أو سمعه، أو وجد له حسًا؟ ومضوا في هذه الأسئلة المشبهة لله عز وجل بصفات المخلوقين، فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يومًا، ثم استدرك حجة مثل حجة النصارى في زعمهم أن الروح الذي في عيسى هو روح الله، فاستدرك حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحًا؟ قال: نعم، فقال: هل رأيت روحك؟ واستمر في توجيه نفس الأسئلة وكان جواب السمني بالنفي، فظن أن هذا إفحام، إذ ختم أسئلته، بقوله: (فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار، ولا يكون في مكان دون مكان).

قال الامام البخاري: "وَقالَ ضَمْرَةُ: عنِ ابْنِ شَوْذَبٍ: " تَرَكَ الْجَهْمُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ، فَخَاصَمَهُ بَعْضُ السُّمَنِيَّةُ، فَشَكَّ فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يُصَلِّي قَالَ ضَمْرَةُ: وَقَدْ رَآهُ ابْنُ شَوْذَبٍ"([5]).

فإذا كان رأس الطائفة عندهم في حيرة، فما بال باقي رعيته وسائر أهل طائفته وملته ممن لم يقف على ما وقف عليه من الفلسفة والكلام الذي لم يقل به الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

هذا هو حال أهل الكلام هذا يموت على دين العجائز -يعني الفطرة الأولى- ترك البحر الخضم وما خاض فيه، وهذا حائر خائف وجل، وذلك يدعونا إلى التمسك بالقران الكريم بعد أن صد عنه سنين طوال.

 ولأجل ذلك نقول كل ما كان مخالفاً لشرع الله عز وجل باطل وإن سميت فلسفات أو كلاماً أو علوماً.

وأني أجتهد الان على عمل رسالة خاصة بمن رجع عن علم الكلام وحذر منه سائلاُ الله تعالى أن يبارك بالعمر والجهد، والبركة في الوقت.

 

جمع وترتيب وتعليق

يوسف طه السعيد



([1]) انظر: "ﺷرف ﺃﺻﺤاب ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ" ﻟﻠﺒﻐﺪﺍﺩﻱ : (٥٩‏).

([2]) انظر: "ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ": للذهبي: 10/ (٥٤٨)، ﻭ "ﺷرف ﺃﺻﺤاب ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ": ‏ ‏(٥٦‏).

([3]) انظر: "ﺗﺎﺭﻳﺦ بغداد" للخطيب البغدادي: 13/ (309)، "‏ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ" للذهبي: ١٠/ (٥٩٧).

([4]) انظر: "الإبانة عن أصول الديانة" لابي الحسن الاشعري: (٢١،٢٠). والكلام على رجوعه إلى معتقد أهل الحديث في كلام ليس هذا محله.

([5]) انظر: "خلق أفعال العباد" للبخاري: 30.

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث