iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

سلسلة تحذير الأنام (8) أمثلة من ضلالات أهل الكلام

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


أمثلة من ضلالات أهل الكلام

لقد كان لأهل الكلام دور كبير في شق صف المسلمين، وتأليب عصا وسيوف الحكام والسلاطين على أهل الاتباع من أهل الدين، فكان شرهم كبير وخطرهم عظيم، فكانت لهم ضلالات كثيرة، وطوام كبيرة، أودت بهم لمخالفة الدين وشق صف وحدة المسلمين، ومن أمثلة ضلال أهل الكلام انحرافهم في صفة (الكلام لله تعالى)([1])، فتفرّد الاشاعرة بإثبات الكلام النّفسيّ لله سبحانه، وقالوا: إنّ كلام الله [أزليٌّ، وكلّه واحدٌ]، فالأمر والنّهي والخبر كلّه كلامٌ واحدٌ، أي أنَّه مخلوق في الأزل ولا يثبتون كأهل السّنّة أنّ الله يتكلّم متى شاء بحرفٍ وصوتٍ، بل كلامه سبحانه عندهم صفةٌ قديمةٌ لا تجدّد لها، في حين أنّ أهل السّنّة يقولون: كلام الله قديم النّوع، حادث الآحاد([2])، وأثبت الأشاعرة أنّ كلام الله صفةٌ لله سبحانه، وأنّه غير مخلوقٍ، وردّوا على المعتزلة في قولهم بخلق القرآن، وإن كان بعض الاشاعرة المتأخّرين جعل خلافهم مع المعتزلة في هذه المسألة خلافًا لفظيًّا لا أكثر.

قال أبو نصرٍ السّجزيّ: "اعلموا -أرشدنا الله وإيّاكم- أنّه لم يكن خلافٌ بين الخلق على اختلاف نحلهم من أوّل الزّمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلّابٍ والقلانسيّ والأشعريّ وأقرانهم في أنّ الكلام لا يكون إلّا حرفًا وصوتًا ذا تأليفٍ واتّساقٍ، وإن اختلفت به اللّغات... فالإجماع منعقدٌ بين العقلاء على كون الكلام حرفًا وصوتًا، فلمّا نبغ ابن كلّابٍ وأضرابه وحاولوا الرّدّ على المعتزلة من طريق مجرّد العقل، وهم لا يخبرون أصول السّنّة، ولا ما كان السّلف عليه، ولا يحتجّون بالأخبار الواردة في ذلك زعمًا منهم أنّها أخبار آحادٍ، وهي لا توجب علمًا، وألزمتهم المعتزلة أنّ الاتّفاق حاصلٌ على أنّ الكلام حرفٌ وصوتٌ، ويدخله التعاقب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشّاهد إلّا بحركةٍ وسكونٍ، ولا بدّ له من أن يكون ذا أجزاءٍ وأبعاضٍ، وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله؛ لأنّ ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكلّ والبعض، والحركة والسّكون، وحكم الصّفة الذاتيّة حكم الذّات، قالوا: فعلم بهذه الجملة أنّ الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلقٌ له، أحدثه وأضافه إلى نفسه! كما تقول: عبد الله، وخلق الله، وفعل الله؛ فضاق بابن كلّابٍ وأضرابه النّفس عند هذا الإلزام؛ لقلّة معرفتهم بالسّنن، وتركهم قبولها، وتسليمهم العنان إلى مجرّد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة، وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافّة المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنمّا يسمّى ذلك كلامًا على المجاز؛ لكونه حكايةً أو عبارةً عنه، وحقيقة الكلام: معنًى قائمٌ بذات المتكلّم... ثمّ خرجوا من هذا إلى أنّ إثبات الحرف والصّوت في كلام الله سبحانه تجسيمٌ، وإثبات اللّغة فيه تشبيهٌ!"([3]).

وقال ابن تيميّة: "اعلم أنّ أصل القول بالعبارة أنّ أبا محمّدٍ عبد الله بن سعيد بن كلّابٍ هو أوّل من قال في الإسلام: إنّ معنى القرآن كلام الله، وحروفه ليست كلام الله، فأخذ بنصف قول المعتزلة ونصف قول أهل السّنّة والجماعة، وكان قد ذهب إلى إثبات الصّفات لله تعالى، وخالف المعتزلة في ذلك، وأثبت العلوّ لله على العرش ومباينته المخلوقات، وقرّر ذلك تقريرًا هو أكمل من تقرير أتباعه بعده. وكان النّاس قد تكلّموا فيمن بلّغ كلام غيره هل يقال له: حكايةٌ عنه أم لا؟ وأكثر المعتزلة قالوا: هو حكايةٌ عنه، فقال ابن كلّابٍ: القرآن العربيّ حكايةٌ عن كلام الله؛ ليس بكلام الله! فجاء بعده أبو الحسن الأشعريّ فسلك مسلكه في إثبات أكثر الصّفات وفي مسألة القرآن أيضًا، واستدرك عليه قوله: إنّ هذا حكايةٌ، وقال: الحكاية إنّما تكون مثل المحكيّ، فهذا يناسب قول المعتزلة، وإنّما يناسب قولنا أن نقول: هو عبارةٌ عن كلام الله؛ لأنّ الكلام ليس من جنس العبارة"([4]).

وقال ابن تيميّة أيضاً: "سائر المسائل ليس لابن كلّابٍ والأشعريّ بها اختصاصٌ، بل ما قالاه قاله غيرهما، إمّا من أهل السّنّة والحديث، وإمّا من غيرهم، بخلاف ما قاله ابن كلّابٍ في مسألة الكلام، واتّبعه عليه الأشعريّ؛ فإنّه لم يسبق ابن كلّابٍ إلى ذلك أحدٌ، ولا وافقه عليه من رؤوس الطّوائف، وأصله في ذلك مسألة الصّفات الاختياريّة، ونحوها من الأمور المتعلّقة بمشيئته وقدرته تعالى: هل تقوم بذاته أم لا؟ فكان السّلف والأئمّة يثبتون ما يقوم بذاته من الصّفات والأفعال مطلقًا، والجهميّة من المعتزلة وغيرهم ينكرون ذلك مطلقًا، فوافق ابن كلّابٍ السّلف والأئمّة في إثبات الصّفات، ووافق الجهميّة في نفي قيام الأفعال به تعالى وما يتعلّق بمشيئته وقدرته؛ ولهذا وغيره تكلّم النّاس فيمن اتّبعه كـالقلانسيّ والأشعريّ ونحوهما بأنّ في أقوالهم بقايا من الاعتزال، وهذه البقايا أصلها هو الاستدلال على حدوث العالم بطريقة الحركات، فإنّ هذا الأصل هو الّذي أوقع المعتزلة في نفي الصّفات والأفعال"([5]).

ولهذا نجد أنهم أنكروا صفات الله تعالى وعطلوها من حيث أن الله تعالى أثبتها لنفسه في كتابه وعلى لسان نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

 

جمع وترتيب وتعليق

يوسف طه السعيد

 



([1]) جاء في شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي مذاهب الفرق في صفة الكلام لله تعالى فقال:

وقد افترق النّاس في مسألة الكلام على تسعة أقوالٍ:

أحدها: أنّ كلام اللّه هو ما يفيض على النّفوس من معاني، إمّا من العقل الفعّال عند بعضهم، أو من غيره، وهذا قول الصّابئة والمتفلسفة.

وثانيها: أنّه مخلوقٌ خلقه اللّه منفصلًا عنه، وهذا قول المعتزلة.

وثالثها: أنّه معنًى واحدٌ قائمٌ بذات اللّه، هو الأمر والنّهي والخبر والاستخبار، وإن عبّر عنه بالعربيّة كان قرآنًا، وإن عبّر عنه بالعبريّة كان توراةً، وهذا قول ابن كلابٍ ومن وافقه، كالأشعريّ وغيره.

ورابعها: أنّه حروفٌ وأصواتٌ أزليّةٌ مجتمعةٌ في الأزل، وهذا قول طائفةٍ من أهل الكلام ومن أهل الحديث.

وخامسها: أنّه حروفٌ وأصواتٌ، لكن تكلّم اللّه بها بعد أن لم يكن متكلّمًا، وهذا قول الكرّاميّة وغيرهم.

وسادسها: أنّ كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته، وهذا يقوله صاحب المعتبر، ويميل إليه الرّازيّ في المطالب العالية.

وسابعها: أنّ كلامه يتضمّن معنًى قائمًا بذاته هو ما خلقه في غيره، وهذا قول أبي منصورٍ الماتريديّ.

وثامنُها: أنّه مشتركٌ بين المعنى القديم القائم بالذّات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، وهذا قول أبي المعالي ومن تبعه.

وتاسعها: أنّه تعالى لم يزل متكلّمًا إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلّم به بصوتٍ يسمع، وأنّ نوع الكلام قديمٌ وإن لم يكن الصّوت المعيّن قديمًا، وهذا المأثور عن أئمّة الحديث والسّنّة".

قلت: وكل هذه الآراء تحتاج إلى مراجعة ونسبتها إلى أصحابها من مصادرهم الاصلية براءة للذمة.

([2]) لم أقف على أول من ذكر القول عن أهل السنة بـ: (كلام الله قديم النّوع، حادث الآحاد)، إذ أني لا أجد حاجة ملحة في ذكر الفاظ أهل الكلام في كتب الاعتقاد الخاصة بأهل الاسلام من أهل السنة والجماعة بعد كل التحذير الذي تكلم به علماء الملة، وكان يكفي البقاء على قولهم: (أنّ الله يتكلّم متى شاء كيف شاء بما شاء بحرفٍ وصوتٍ).

([3]) انظر: "رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت": 115 – 119، باختصار وتصرف.

([4]) انظر: "مجموع الفتاوى" :12/ (272).

([5]) انظر: "درء تعارض العَقْل والنقل": 2/(98) بتَصَرُّفٍ يسيرٍ.

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث