الازلي ليس من
الأسماء أو الصفات
هناك مسألة هامة يجب التنبيه عليها، وهي أنَّ
الأسماء والصفات لله توقيفية ثبتت بالكتاب والسُّنة، فما ثبت بهما نثبته لله
تعالى؛ وما لم يرد فيه نص يُترك ولا نثبته البته، ولفظ (الازلي) لم يتكلم به
الصحابة ولا التابعين من أهل السنة، إنما هو من الفاظ المتكلمين، وقد جاء في اباحة
استعمالها عن ابن القيم رحمه الله وجعل ذلك الاستعمال من باب الاخبار فقال: "ما
يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن
يكون توقيفًا، كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه"([1]).
وعلى
ذلك نقول، فلا يشرع لنا أن نسمي الله بالأزلي، ولا بالقديم؛ إذ لا دليل على تسميته
بذلك، وإنما نسميه باسمه الأول، أما الإخبار عنه بأي من ذلك: فيرى بعض العلماء أن
لا بأس به؛ إذ لا يترتب على الإخبار عنه بذلك محذور، فالأزل: استمرار الوجود
في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب الماضي، كما أن الأبد استمرار الوجود في أزمنة
مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل، والأزلي: ما لا يكون مسبوقًا بالعدم.
والأزلي
قديم، إلا أن القدم منه المطلق، ومنه النسبي، فالقديم المطلق كالأزلي، بخلاف
القديم النسبي، قال ابن عثيمين عن القديم في اللغة: "فقد يراد به ما كان قديمًا نسبيًا، كما في قوله تعالى: {حَتَّىٰ
عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ ٣٩}([2]) ومعلوم
أن عرجون النخلة ليس بقديم أزلي، بل قديم بالنسبة لما بعده". وعلى ذلك، فالإخبار عن الله تعالى بالقديم ليس أفضل من الإخبار عنه
بالأزلي، وقد سئل فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي:
ما الفارق بين الأزلي والقديم؟
فقال
-رحمه الله-:" الأزلي: الذي لا أول له، أما القديم: فقد
تكون صفة مدح، وقد تكون صفة ذم، وفي القرآن الكريم: {حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ
ٱلۡقَدِيمِ ٣٩}([3]) والقديم: ليس من صفات الله، بل هو من صفات
سلطانه؛ لأن سلطانه يتجدد، وهو قديم. اهـ. ويجوز وصف المخلوق بالقديم باعتبار القدم النسبي ـ كما سبق ـ وأما
الأزل: فلا يطلق عليه إلا مجازًا، وقد جاء في التعاريف للمناوي: الأزل: القدم الذي ليس له ابتداء، ويطلق مجازًا
على من طال عمره... وقال: الأزل استمرار الوجود في أزمنة
مقدرة غير متناهية في الماضي"([4]).
وكما
يرى القارئ الكريم أنَّ الالفاظ تحتمل معاني متداخلة، ولا أعلم لماذا يلجئ بعض
العلماء لإدخال أنفسهم بألفاظٍ حمَّالة وجوه، ويتركون ما أخبر الله تعالى به عن
نفسه، ونعت به ذاته العلية وهو العليم الخبير؟
ثم نسبة
تلك الألفاظ لله تعالى يكون من باب نسبة اسم أو صفة لله تعالى وهي القدم أو
القديم، وكما مرة أن (القدم أو القديم) ممكن تكون صفة مدح، وقد تكون صفة ذم كما
سبق، وكلا اللفظين لم يثبت منها شيء عند السلف بل هي من الفاظ مدرسة المتكلمين، في
المقابل جاء في أسماء الله تعالى (الأول والأخر) وهذان الاسمان يغنيان عن الألفاظ
التي وردت في مصطلحات المتكلمين، بل هو المزلق للولوج في مصطلحاتهم ثم يبدؤون
ينظرون للقواعد التي اسسوها بعقولهم والتي تخالف الكتاب والسنة ولسان العرب، وفي
هذا الباب يقول ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية: "فَقَوْلُ الشَّيْخِ:
قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ، هُوَ مَعْنَى اسْمِهِ
الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ"([5]).
وقال أيضاً: "وَجَاءَ الشَّرْعُ بِاسْمِهِ "الْأَوَّلِ". وَهُوَ
أَحْسَنُ مِنَ "الْقَدِيمِ"؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ
آيِلٌ إِلَيْهِ وَتَابِعٌ لَهُ، بِخِلَافِ الْقَدِيمِ. وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ
الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"([6]).
وهنا نقول فإذا كان المراد من قول الطحاوي
-رحمه الله- بـ [القديم هو الأول] فليس لصرف اللفظ الثابت بالقران والسنة (الأول
إلى القديم) ضرورة بل كان الواجب إثبات ما جاء به النص وترك ما سواه وإنْ أزعج ذلك
أهل الكلام ومن سواهم؛ لان إثبات القديم والازلي يعني إثبات صفات لله تعالى لم
يذكرها الشرع في الكتاب ولا في السنة وإن كانت مجازاً على حدِّ تعبير ابن القيم
-رحمه الله-؛ إنَّما هي إصطلاحات لأهل الكلام تسربت إلى علماء الامَّة فتكلموا بها
حتى صارت مستساغة في مصنفاتهم فألفها الناس، وهذا مزلق خطير، وذلك أنَّنا إذا
قبلنا بالقليل تسرب الينا الأكثر حتى يقع الواحد منَّا في هذه الدوامة التي شقت صف
المسلمين وفرقت كلمتهم، ولابن أبي العز الحنفي كلام نفيس في مقدمته على شرح
الطحاوية حين نقل أقوال العلماء في ذم الكلام والمتكلمين فقال: "وَقَدْ
شَرَحَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ
بَعْضَ الشَّارِحِينَ قَدْ أَصْغَى إِلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ،
وَاسْتَمَدَّ مِنْهُمْ، وَتَكَلَّمَ بِعِبَارَاتِهِمْ. وَالسَّلَفُ
لَمْ يَكْرَهُوا التَّكَلُّمَ بِالْجَوْهَرِ وَالْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ اصْطِلَاحًا جَدِيدًا عَلَى مَعَانٍ صَحِيحَةٍ،
كَالِاصْطِلَاحِ عَلَى أَلْفَاظِ الْعُلُومِ الصَحِيحَةِ، وَلَا كَرِهُوا أَيْضًا
الدَّلَالَةَ عَلَى الْحَقِّ وَالْمُحَاجَّةِ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ؛ بَلْ كَرِهُوهُ
لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أُمُورٍ كَاذِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْحَقِّ، وَمِنْ ذَلِكَ
مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِدُ عِنْدَ أَهْلِهَا
مِنَ الْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا
عَنْ عُلَمَائِهِمْ"([7]).
جمع وترتيب وتعليق
يوسف طه السعيد
إرسال تعليق