iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

زيغ الدعاة بين المداهنة والمداراة

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

زيغ الدعاة بين المداهنة والمداراة

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن واقتفى أثره.

 وبعد.

كان أهل الحديث يتحرون الأمانة في الحكم والنقل، وأوثق من يتحرز من الحيف والجور، حتى ضربوا بذلك أعظم الأمثلة في الإنصاف وتجنب المحاباة في دين الله، ولا يخفى على المطلع ما جاء عن علي بن المديني حين أطلق الحكم بضعف أبيه، وهو يدرك أن حكمه هذا على والده سيكون كفيلاً بالقضاء على مكانته العلمية، فلم يمنعه ذلك من إطلاق رأيه فيه، قال ابن حبان في "المجروحين": "سئل علي بن المديني عن أبيه؟

فقال: "اسألوا غيري"، فقالوا: سألناك، فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين، أبي ضعيف" انتهى.

ولأجل ذلك قال الخطيب البغدادي رحمه الله: "فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه، ولا أخاه، ولا ولده. وهذا علي بن عبد الله المديني، وهو إمام الحديث في عصره، لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك"([1]).

فالمداهنة: هي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومصانعة الكفار والفجار والعصاة من أجل الدنيا والتنازل عما يجب على المسلم من الغيرة على الدين. قال الله تعالى: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ٧٨ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩ تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ٨٠}([2])

والمداراة: هي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، "أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: (بئس أخو العشيرة. وبئس ابن العشيرة)، فلما جلس تطلق النبي"([3]).

وحين تكلم المتقدمون عن تكفير الجهمية يعلم المطلع أن الناقلين أخذو هذا القول عن العلماء سلفاً عن خلف، وكابراً عن كابرٍ، وقد ذكر الإمام ابن القيم في قصيدته النونية أنَّه قد حكم بكفر الجهمية خَمْسُمِائةِ عالمٍ من علماء المسلمين، وذكر ذلك في نونيته بقوله:

ولقد تقلَّد كفرَهم خمسون في

 

عشرٍ من العلماء في البلدان

واللالكائي الامامُ حكاه عن

 

هم بل حكاه قبله الطبراني([4])

وليس معنى ذلك أنَّنا نشتهي تكفير الناس وإخراجهم عن دين الله، بل من الدين أن نقول [من دخل الإسلام بقين لا يخرج منه بظن]، ومن خرج منه بدليل ويقين، لا يدخل بظن وورع بارد باهت، لذلك من العوار أنْ يخرج لنا من لم يشاهد الجهمية ولم يعاصرهم أو يجالسهم ليخالف أحكام المتقدمين عليهم.

قال حفص بن حميد: قلت لعبد الله بن المبارك: على كم افترقت هذه الأمة؟، فقال: "الأصل أربع فرق: هم الشيعة، والحرورية والقدرية والمرجئة فافترقت الشيعة على ثنتين وعشرين فرقة، وافترقت الحرورية على إحدى وعشرين فرقة، وافترقت القدرية على ست عشرة فرقة، وافترقت المرجئة على ثلاث عشرة فرقة " قال: قلت: يا عبد الرحمن: لم أسمعك تذكر الجهمية قال: «إنما سألتني عن فرق المسلمين"([5]).

قال أبو سعيد رحمه الله: ناظرني رجل ببغداد منافحاً عن هؤلاء الجهمية، فقال لي: بأية حجة تكفرون هؤلاء الجهمية، وقد نهي عن إكفار أهل القبلة؟ بكتاب ناطق تكفرونهم أم بأثر أم بإجماع؟

فقلت: ما الجهمية عندنا من أهل القبلة، وما نكفرهم إلا بكتاب مسطور وأثر مأثور وكفر مشهور([6]). وقد أورد في هذا الكتاب أدلة كثيرة من القران الكريم، والسنة النبوية، ومن الآثار وأقوال العلماء ما يطول ذكره، وحاصلة أن الجهمية خارجون عن دائرة الاسلام.

تبقى هناك قضية أخرى من المهم التعريج عليها وهي: هل لازالت الجهمية موجودة وممتدة الى يومنا؟

والجواب عن هذا السؤال وهذا الموضوع الهام جداً، لعلنا نورد له مقالاً مستقلاً قريباً ان شاء الله.

اللهم إنا نسألك الثبات على الدين، وبالكتاب والسنة متمسكين، ولمن سلك سبيلهما موالين، والحمد لله ربي العالمين.

 

جمع وترتيب وتعليق

يوسف طه السعيد

 



([1]) شرف أصحاب الحديث.

([2]) [سورة المائدة:78-80].

([3]) رواه الطبراني في الكبير، والبغوي في شرح السنة.

([4]) "شرح النونية" للهراس

([5]) "الابانة" لابن بطة.

([6]) "الرد على الجهمية" للدارمي.

التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث