iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

اليتيم بين الكفالة والكفاية

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

اليتيم بين الكفالة والكفاية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد

فحين ترقب أخبار البلاد الإسلامية عامة والعرب خاصة، وترى العدد الكبير للأيتام في هذه البلدان تستوقفك قضية مهمة، ألا وهي قضية [كفالة اليتيم].

ومعلوم أن فضل كفالة اليتيم ورد فيها عدد من الأدلة التي وضحت لنا أفضلية هذه الفعل النبيل، وهناك جمع من الآيات والأحاديث التي تحدثت عن اليتيم والعناية به والاهتمام بموروثه المالي إن وُجد، والاهتمام بشؤونه حتى يقوى عوده، ويشتد ساعده ويبلغ الحُلم، ويصبح قادراً على إدارة شؤونه بنفسه، ولعلي هنا أكتفي بحديثين شريفين حتى لا يطول بنا المقام، الأول منهما ما رواه البخاري رحمه الله من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما)(1)، في ذلك قال ابن حجر: "قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق -النبي صلى الله عليه وسلم- في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك". وصدق رحمه الله فأيّ منزلة أكرم من أنك تكون رفيقاً له -عليه الصلاة والسلام- في الجنة.

أما الثاني: فقوله صلى الله عليه وسلم: (من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة)(2).

وانطلاقاً من هذين الحديثين رأيت أن نقف على حقيقة مهمة بمكان، لعل الكثير من المنفقين يغفلون عنها رغم إحساننا الظن بالنية الطيبة في مقصدهم من أُعطياتهم، وهذه المسـألة يلزم الوقوف عليها بدقة وعناية، وهي ثمَّة فرق بين كفالة اليتيم وكفاية اليتيم، إذ معنى كفالة اليتيم في اللغة الضمان، وأصل اليتم في اللغة الانفراد، وقد قال أبو حيان في البحر المحيط: الكفالة الضمان، يقال كَفَلَ يكَفَلَ فهو كافل وكفيل.

أما في الاصطلاح العام: فهو القيام بأمور اليتيم، والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته، وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله تعالى.

ومعنى ذلك أنَّ الكفالة في الإسلام هي: ضم اليتيم والإنفاق عليه والقيام بمصالحه وشؤونه.

هكذا جاءت الأحاديث في مسألة كفالة اليتيم، في المقابل يرى المطلع على أحوالنا الفرق الكبير بين ما نحن فيه من كفاية اليتيم وكفالته، فالأغلب اليوم يمشي على كفاية اليتيم وليس كفالته، ويتمثل ذلك في سد أكله وشربه ولباسه، لكن الكفالة شيء آخر تماماً، وذلك أن الكفالة تتضمن العناية العامة لليتيم وليس الاطعام واللباس وفقط، قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِمَّ أَضْرِبُ مِنْهُ يَتِيمِي؟ قَالَ: مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ"(3)، من هذا المنطلق يتضح لنا الفرق بين الكفاية والكفالة، إذ الكفالة يستلزم لها الوقوف على اليتيم في جميع شؤونه وأهمها التربية والتعليم، وذلك أن كل إنسان لو تُرك دون رعاية ورقابة وتعليم سليم جر ذلك لِأن يكون انساناً جاهلاً لا يرعى ما يترتب على تصرفاته من مفاسد ومصالح، وكفاية اليتم دون الكفالة بالمفهوم الصحيح الضامن له من رعاية وتعليم تجعل منه إنسان اتكالي خالي من المسؤوليات، هش أمام التحديات التي تنتظره في قادم مشواره في هذه الحياة التي كثُر فيها ضعفاء النفوس الذين يستغلون هذا النوع من الشخصيات الضعيفة  المهزوزة التي لا ترتكز إلى ركائز علميَّة صحيحة، واُسس تربية سليمة يستطيع من خلالها تمييز الخطأ من الصوب.

ولعل في الحديث السابق نرى كيف وجه ذلك الرجل سؤاله للنبي -صلى الله عليه وسلم- في كيفية ضرب اليتيم، والتي نستنبط من سؤاله أن الموضوع لا يتعلق بالكفاية وفقط؛ إنما الأمر متعدي للكفالة الشاملة والتي من أهمها الكفاية التعليمية والتربوية على منهج إسلامي أخلاقي سليم، وأن يعامل الكافلُ اليتيمَ كما يعامل أولاده، فيضمه إلى بيته أو إلى المراكز المختصة أو دُور الايتام المنضبطة، وينفق عليه، ويعلمه ويربيه ويهتم بزواجه، كما يفعل مع أولاده، بل من أهل العلم من فسر الحديث أنه من المستحب أن يعامل الكافلُ اليتيمَ كما يعامل أولاده، فيضمه إلى بيته وينفق عليه، ويعلمه ويربيه ويهتم بزواجه، كما يفعل مع أولاده، هذا والله الموفق للحق والهدى والرشاد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وكتبه

الفقير إلى عفو ربه القدير

يوسف طه السعيد

 

(1) أخرجه البخاري: 5304.

(2) أبو داود الطيالسي: 1419، وأبو يعلى: 962، والطبراني في الكبير: 669، والبيهقي في شهب الإيمان: 7886.

(3) رواه ابن حبان في صحيحه.


التصنيفات

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث