رسالة
في تحذير الأنام من الوقوع
في مستنقع علم الكلام
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله الذي جعل أهل الحق على
المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك، والصلاة والسلام على عبده
ورسوله ومن اقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد
معلوم بالضرورة أنَّ الله تعالى أرسل
الرسل مبشرين ومنذرين، مبشرين بما عند الله تعالى من النعيم المقيم، ومنذرين من
عذابه الأليم، قال تعالى: {رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا
حَكِيمٗا ١٦٥}([1])، وقال تعالى: {وَمَا نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۖ فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ
وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٤٨ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلۡعَذَابُ
بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٤٩}([2])، وقال جل ذكره: {وَمَا
نُرۡسِلُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّۖ وَٱتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي
وَمَآ أُنذِرُواْ هُزُوٗا ٥٦}([3]). فمن لزم ما جاء
به الوحي نجى، ومن أعرض فله معيشة ضنكا ويحشره العدل يوم القيامة أعمى.
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن نفسه، ونعت
ذاته بأسماء حسنى وصفات عليا، تليق بجلاله وعظمته، وما أثبته لنفسه سبحانه من
الأسماء والصفات هو أعلم بها من خلقِه، في المقابل لم يتركهم دون بيان لتلك النعوت
الحميدة لنفسه تقدست اسمائه وصفاته، بل دلهم عليها ووضحها خير بيان في كتابه وسنة
نبيه -عليه الصلاة والسلام- بلسان عربي مبين، قال الحكيم العلم: {وَلَقَدۡ
نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلۡحِدُونَ
إِلَيۡهِ أَعۡجَمِيّٞ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيّٞ مُّبِينٌ ١٠٣}، وقال سبحانه: {بِلِسَانٍ
عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥}. وعن اسمائه الحسنى وصفاته العليا قال تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ
ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ
سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٨٠}([4])، وقال سبحانه: {قُلِ ٱدۡعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُواْ ٱلرَّحۡمَٰنَۖ
أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ
بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا ١١٠}([5])،
وقال جل ذكره:
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ ٨}([6])، وقال: {هُوَ
اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ
لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ
وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٤}([7]).
وفي السنة جاء من
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا،
مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"([8]).
فكان على أهل
الإسلام الإيمان بما أخبرهم به سبحانه في كتابه أو على لسان نبيه -صلوات ربي
وسلامه عليه- من غير زيادة في الدين، بل الاقتصار في العبادات على ما جاء من الوحي
اقتداءً بما التزمه الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ولا يخرجوا عن ذلك للقاعدة المتقررة
[أنَّ الأصل في العبادات التوقيف]، أي: الوقوف على الدليل الشرعي من آية أو حديث،
فلا يُزاد في الدين ولا في السنن والاقتصار على ما ثبت بالأدلة، {ٱلۡيَوۡمَ
أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ
دِينٗاۚ .... ٣}([9]). وفي محل إثبات
هذه الأسماء والصفات فقد تفرق الناس في إثباتها ومعنى المراد منها إلى طوائف
ومذاهب، كل أدلى بدلوه فمنهم من وافق الحق الذي جاء في القران والسنة وعلى لسان
الصحابة و التابعين ومن تبعهم إلى يومنا ثم إلى يوم الدين، ومن من حاد وانحرف حتى
جعل عقله مقدماً على النقل وصريح لغة العرب مناطاً لفهم ما سبق ذكره، معتمداً على
كتب غير أهل الملة، مستنبطاً منها أفهامه وتقريراته وتبريراته، فصُرِف عن الحق،
وفرَّق الجماعة، واعتنوا ببذرة الخلاف ورعوها حتى كبر الخرق، وتمزق الجمع، ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
في المقابل لم
يترك الله تعالى بحكمته الامة دون دليل يرشدها إلى جادة الصواب، ويضبط لها بوصلة
الفهم السليم، بل سخَّر لهم رجالاً كانوا قد عملوا بالحكمة والفطنة والدليل
المستنبط من الذكر الحكم، والسنة المطهرة، وفهم الأوائل ممن زكى الله إيمانهم
وولائهم، فصنفوا المؤلفات، واداروا الحوارات والمناظرات، فكانوا الحصن المنيع
لتمرير تحريفات المبطلين، وانتحال المدَّعين، وتقريرات المخطئين، فأخمدوا نار الفتانين،
وشتتوا جمع المنحرفين، والغلاة المخربين، والمرجفة الخائرين، وثبَّتوا الناس على
السنة والدين، فخمدت نار فتنهم، حتى طُمِست معالم ملتهم، وحفظ الله دينه الذين ارتضى
لهم.
ثم لما جاء عصرنا
رأينا من يثير غبار الماضي، ويهيج مدثور الخلافات، والطرق المعوجات، فصار يفتش
وينبش في اختيارات من ضل من السابقين؛ لِفرق جمع كلمة المسلمين، فصار لزاماً أن
نحيي تراث أمتنا، وأمجاد أئمتنا، ولا نسمح بأي وجه من الوجوه التطاول عليهم وتضليه
الناس فيهم، فعزمت على تجميع هذه الوريقات من كلام العلماء ورتبتها كل في بابه،
والحاجة لمراده، عسى الله أن تكون حجة للمخالف، وسبباً في هداية المنصف، والله
أسال أن يمد بالعمر والصحة في طاعته، إنه ولي ذلك وهو أرحم الراحمين.
قال تعالى: {وَٱعۡتَصِمُواْ
بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ
عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم
بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ
فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ
لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣}([10]).
جمع وترتيب وتعليق
يوسف طه السعيد
إرسال تعليق