المروءة وضابطها
الحمد
لله وبعد...
المُروءةُ
لُغةً: هي كَمالُ الرُّجوليَّةِ، مصدَرٌ مِن: مَرُؤَ يَمرُؤُ مُروءةً، فهو
مَريءٌ، أي: بَيِّنُ المُروءةِ، وتمرَّأَ فُلانٌ: تكَلَّف المُروءةَ. وقيل: صار ذا
مُروءةٍ، وفلانٌ تمَرَّأ بالقومِ: أي: سعى أنْ يوصَفَ بالمُروءةِ بإكرامِهم، أو
بنَقصِهم وعيبِهم.
المُروءةُ
اصطِلاحًا: قال الماوَرْديُّ: "المُروءةُ مراعاةُ الأحوالِ إلى أنْ
تكونَ على أفضَلِها؛ حتَّى لا يظهَرَ منها قبيحٌ عن قَصدٍ، ولا يتوجَّهَ إليها
ذَمٌّ باستحقاقٍ"([1]).
وقال
ابنُ عَرَفةَ: "المُروءةُ هي المحافظةُ على فِعلِ ما تركَه من مباحٍ يوجِبُ
الذَّمَّ عُرفًا... وعلى تَركِ ما فعَلَه من مباحٍ يُوجِبُ ذَمَّه عُرفًا..."([2]).
وقال
الجُرجانيُّ: "المُروءةُ: هي قوَّةٌ للنَّفسِ مبدَأٌ لصُدورِ الأفعالِ
الجميلةِ عنها المستَتبِعةِ للمَدحِ شَرعًا وعقلًا وعُرفًا"([3]).
وقال السُّيوطيُّ: "المُروءةُ: اسمٌ
للأفعالِ والأخلاقِ التي تقبَلُها النُّفوسُ السَّليمةُ"([4]).
وقال
الفيوميُّ: "المُروءةُ آدابٌ نفسانيَّةٌ تحمِلُ مُراعاتُها الإنسانَ على
الوقوفِ عِندَ محاسِنِ الأخلاقِ، وجميلِ العاداتِ"([5]).
وقيل: هي" أن لا تعمل في السرِّ
شيئاً تستحي منه في العلانية ".
وقيل
أيضاً: أنَّ المروءة تعني: "اجتناب الرجل ما يشينه، واجتناؤه [أي
اكتسابه] ما يزينه".
وقيل
أيضاً: " أنْ يجتنب الرجل القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها ".
وورد عن
أبي حاتم البُستي قوله: "والمروءة عندي خصلتان: اجتنابُ ما يكره الله والمسلمون
من الفِعالِ، واستعمالُ ما يُحب الله والمسلمون من الخِصال".
ولذلك
فإننا نجد أنَّ علماء الحديث من المتقدمين حصروا على هذا الجانب كثيراً وكانوا
يزهدون برواية من اثبتوا عليه خارم من خوارم المروءة.
حقيقة المروءة
إنَّ حقيقة
المروءة اتصاف النفس بصفات الكمال الإنساني التي فارق بها الحيوان البهيم، والشيطان
الرجيم، إنَّها غلبة العقل للشهوة، وحدُّ المروءة: استعمال ما يُجمل العبد ويزينه،
وترك ما يدنسه ويشينه، سواءٌ تعلق ذلك به وحده، أو تعداه إلى غيره.
قال بعض
السلف: خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن
آدم وركّب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته
عقله التحق بالبهائم.
مروءة كل شيء بحسبه
إذا
علمنا أنَّ المروءة هي استعمال كل خلق حسن، واجتناب كل خلق قبيح؛ فإنَّ لكل عضو من
الأعضاء مروءة على ما يليق به، فمروءة اللسان: حلاوته وطيبه ولينه، ومروة الخلق:
سعته وبسطه للحبيب والبغيض، ومروءة المال: بذله في المواقع المحمودة شرعًا وعقلاً
وعرفًا، ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه، ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره،
وعدم رؤيته، وترك المنة به، وهذه هي مروءة البذل والعطاء، أما مروءة الترك فتعني
ترك الخصام والمعاتبة، والمماراة، والتغافل عن عثرات الناس.
ضابط المروءة
ليس
للمروءة ضابط شرعي معين، وأعمال معروفة في كل عصرٍ ومصر، بل المعتبر في ذلك العرف،
وهو يختلف باختلاف البلدان، والأزمان، والأشخاص، فَرُبَّ شيء يكون مستنكرًا في زمن
دون آخر، وفي بلدة دون أخرى ومن شخص دون آخر، وهكذا. لكن يمكن حصر بعض الصفات
والافعال والاقوال التي عدها العلماء والعقلاء من خوارم المروءة ومنها:
ü
كثرة المزاح
والمداعبة القولية والفعلية؛ لما في ذلك من إسقاطٍ هيبته، والإقلال من المكانة،
ولأنَّ كثرة المزاح مدعاةٌ لحصول الخصام، وإثارة الأحقاد في النفوس.
ü
أن يأكل الإنسان
طعامًا أو يشرب شراباً وهو يمشي في الأسواق والطرقات، فهذا فعلٌ وطبعٌ يتنافى مع
كمال المروءة، ولا يتفق ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات. ولذلك فقد ورد أثرٌ عن ابن
سيرين أنَّه قال: "ثلاثةٌ ليست من المروءة: الأكل في الأسواق، والإدِّهان عند
العطار، والنَّظر في مرآة الحجام ".
ü
عدم احترام الصغار
للكبار سواءً أكان ذلك في المجالس أم في المناسبات، وعدم توقير كبار السن وإنزالهم
منازلهم.
ü
أنْ يعتاد الإنسان
التبول واقفاً لغير حاجة لاسيما في دورات المياه العامة ونحوها.
ü
الإكثار من تناول
الطعام والإقبال عليه بنهمٍ شديدٍ لاسيما عندما يكون الإنسان مدعواً إلى وليمةٍ أو
نحو ذلك.
ü
التجشؤ بصوتٍ مرتفعٍ
أو ما يُعرف بعادة " التَكَعُّرْ "، ويُقصد بذلك إخراج صوتٍ مرتفعٍ
ومزعجٍ من الفم في حضرة الناس.
ü
أنْ يأتي الإنسان
ببعض الأقوال أو الأفعال الهزلية التي تُضحك منه الناس كأن يُقلد شخصاً في كلامه،
أو حركاته، أو نحو ذلك لغرض السخرية منه وإضحاك الآخرين عليه.
ü
ارتداء بعض الناس
وبخاصة من هم في سن الشباب للملابس الغريبة.
ü
إضاعة الوقت بالجلوس
لوقتٍ طويلٍ في المقاهي والاستراحات وما في حكمها لغير حاجةٍ مُلحة.
ü
كشف العورات أمام
الناس.
ü
قص شعر الرأس
بأشكالٍ غريبةٍ وغير مألوفة.
ü
كثرة الضحك والقهقهة
بصوتٍ عالٍ ولا سيما في الأماكن العامة.
ü
جاء عند
بعض أهل العلم قوله: " ويُكره مضغ العِلك لأنَّه دناءة ".
ü
أن
يتحدث الإنسان إلى جُلسائه ببعض الأحاديث المخلة بالآداب.
ü
الرقص
والتصفيق والتمايل مع الأنغام المحرمة.
ü
امتهان
الشحاذة [التسول] ومدُّ اليد للناس من غير حاجةٍ ضروريةٍ تدعو إلى ذلك.
دواعي المروءة
إنَّ أعظم دواعي المروءة شيئان:
أحدهما: علو الهمة. والثاني: شرف النفس.
أما علو الهمة: فلأنه باعث على التقدم
والترقي في المكارم أنفة من خمول الضعة، واستنكارًا لمكانة النقص، ولهذا قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره
سفسافها"([6]).
وقال عمر رضي الله عنه: "لا تصغرن
هممكم؛ فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمة".
وإذا كانت النفوس كباراً |
تعبت في مرادها الأجسامُ |
وأمَّا شرف النفس: فبه يكون قبول التأديب، واستقرار التقويم؛
فإنَّ النفس إذا شرفت كانت للآداب طالبة، وفي الفضائل راغبة، وعن الدنايا والرذائل
نائية، قال بعض الشعراء:
إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها |
|
هوانًا بها كانت على الناس أهونا |
فنفسك أكرمها وإنْ ضاق مسكنٌ |
|
عليك لها فاطلب لنفسك مسكنا |
وإياك والسكنى بمنزل ذلةٍ |
|
يُعدُّ مسيئًا فيه مَن كان مُحسنا |
وقال الحُصين بن المنذر الرقاشي:
إنَّ المروءة ليس يدركها امرؤٌ |
|
ورث المكارم عن أبٍ فأضاعها |
أمرته نفسٌ بالدناءة والخنا |
|
ونهته عن سُبُل العلا فأطاعها |
فإذا أصاب من المكارم خُلَّةً |
|
يبني الكريمُ بها المكارم باعها |
وعلى ما سبق ينبغي للمسلم عامة وطلاب العلم
خاصة أنْ يتحلوا بالأخلاق الاسلامية الفاضلة، وأنْ يكونوا القدوة في القول والفعل
والسمت، ولا يؤخذ الإسلام من قبلهم وأنْ لا يجعلوا كل متربص فرصة الكلام عن الخُلق
الإسلامي، بل يجعل من نفسه مضرب للمثل يحذو الناس حذوه.
هذا ما يسر الله
جمعه وترتيبه باختصار كبير والله الموفق
جمع وترتيب الفقير
لربه القدير
يوسف بن
طه السعيد
إرسال تعليق