ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل (لَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ)
الأمل هو النور الذي يضيء ظلام اليأس، والريشة التي تحمل الروح
فوق أمواج الحياة المتلاطمة. بدون الأمل، تصبح الحياة سجنًا ضيقًا لا مهرب منه،
لكن بفسحة الأمل تتسع الآفاق وتتحول الصعاب إلى دروس والتحديات إلى فرص.
يذكِّر الله تعالى أهمية حرص المسلم على الأمل والرجاء، وجاء
ذلك في عدة مواضع، منها قوله تعالى: {وَلَا تَيْئَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ
إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، هذه
الآية تؤكد أن اليأس صفة لا تليق بالمؤمن، بل عليه أن يبقى متشبثًا بالأمل حتى في
أحلك الظروف.
وفي هذا الباب نجد أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان دائمًا
يزرع الأمل في نفوس أصحابه ومن حوله، حتى في أصعب المواقف. فعن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي،
فإن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله" (رواه البخاري ومسلم). وهذا الحديث
يعلمنا أن الأمل بالله والتفاؤل بخيره يجلبان الخير والبركة.
وقد عبر الحكماء والعلماء عن أهمية الأمل بكلمات خالدة. يقول
الإمام الشافعي: "اصبر على مرِّ الدهر فإنَّ الصبرَ يُعقبُ راحةً، والأملَ
يزرعُ في النفسِ تفاؤلًا".
ويقول ابن قيم الجوزية: "الأملُ سلوةُ الحزين، ونورُ
الظلمة، وقوةُ الضعيف"، ويقول رحمه الله أيضاً: "لولا روح الرجاء
لانقطعت القلوب". وهذا يدل على أن الأمل هو الذي يبقي القلوب صامدة أمام
المحن. كما قال المتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ
والشاعر في هذا البيت يحث على الطموح والتطلع للأفضل ناظرين
إلى الأمل المرجو من الجهد المبذول، وهو صورة من صور الأمل.
وخير من كلام الشعراء والادباء والفصحاء هذا النبي ﷺ كان
مثالًا يُحتذى في التفاؤل والأمل، فقد قال: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم
فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (رواه البخاري في الأدب
المفرد). وهذا الحديث يدل على أهمية الاستمرار في العمل وعدم فقدان الأمل حتى في
أصعب الظروف. وقد وقفت على مقوله لحكيم يُدعى كونفوشيوس: "الأمل هو الحلم
الذي يسير على قدمين".
هذه الأقوال تؤكد أن
الأمل هو وقود النفس الذي يدفعها نحو الاستمرار والنجاح. وهنا نجد أبياتًا خالدة
رائعة تعبر عن قوة الأمل. يقول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام
وهذا البيت يعكس أن الأمل والعزيمة هما سر النجاح، وأن النفس
الكبيرة لا تقف أمامها الصعاب.
فيا أيها المكلوم، ويا
أيها المظلم، ويا أيها المجروح، ويا أيها الحزين، ويا أيها السجين والاسير، يا
أيها الكبير، ويا أيها الصغير، ويا أيها الأمير، ويا أيها الوزير اصبر... فباب أمل
الفرج قريب، والله مجيب، ولا يأس مع صغائر احوالنا أمام عظمة رحمة الباري جل جلاله.
لذلك يلزم أن نعلم أن الأمل هو سر بقاء الإنسان وقوته، وبدون
الأمل تفقد الحياة معناها ولذتها ورونقها، وتصبح مجرد روتين ممل. لذا، علينا أن
نحرص على تغذية الأمل في قلوبنا وقلوب من حولنا، لأن الأمل هو الجسر الذي يعبر بنا
من اليأس إلى الرجاء، ومن الظلام إلى النور... والسلام...
وكتبه
يوسف طه السعيد
المصادر:
1. القرآن الكريم: سورة يوسف، الآية 87.
2. صحيح البخاري ومسلم: حديث "أنا عند ظن عبدي
بي".
3. أقوال الإمام الشافعي وابن قيم الجوزية من كتب التراث
الإسلامي.
4. ديوان المتنبي.
إرسال تعليق