الفرق بين علم مصطلح
الحديث وفقه الحديث
وأيهما أنفع للناس، خاصة وأن العلماء السابقين قد حكموا على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا
تقديم
معلوم أن علم الحديث من أنبل العلوم وأهمها، كيف
لا وهو يدرس مادة الوحي المنزل كلام النبي عليه الصلاة والسلام. وعلم الحديث بمرور
الزمن صار علماً مستقلاً يُدرس في الحلقات العلمية وصُنفت فيه المصنفات سوء في علم
الرجال جرحاً وتعديلاً، أو علم الاسناد، أو العلل، أو متن الحديث وهكذا. وقد كان
للمتقدمين الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في ضبط هذا العلم حتى صُنف من أجب العلوم
ضبطاً واتقاناً في العلم. من جهة أخرى فإن علم الحديث يُعني بفهم الاحكام الفقهية
العملية التي يلزم العباد العمل بموجبها إيجاباً أو ندباً أو إباحةً أ إكراهاً، أو
تحريماً، وهو ما يطلق عليه فقه الحديث. وهذا العلم أيضاً له مصنفاته ومظانه عند
طلابه ومريديه. ولعلي بهذه الاسطر أبين الفرق بين علم مصطلح الحديث وفقه الحديث،
وأيهما أحوج من الثاني، سائلاً الله تعالى الاعانة والتوفيق.
أولًا: الفرق بين مصطلح الحديث وفقه الحديث
علم
مصطلح الحديث
هو علمٌ يُعنى بالقواعد التي تُعرف بها درجة
الحديث من حيث الصحة والضعف، مثل معرفة الإسناد، والجرح والتعديل، والمتون،
والعلل، وغير ذلك.
والهدف منه: تمييز الحديث الصحيح من الضعيف،
وبالتالي حماية السنة من الدس والتحريف.
ومن أشهر كتبه المتأخرة "نخبة الفكر" لابن
حجر، "مقدمة ابن الصلاح، معرفة أنواع علوم الحديث"، و"تدريب الراوي"
للسيوطي، و"ألفية الحديث له"، و"ألفية الحديث للعراقي"، وغيرها
الكثير جداً.
فقه
الحديث
وهو علمٌ يختص بفهم معاني الأحاديث واستخراج
الأحكام والعبر منها. ويعتمد
على قواعد أصول الفقه واللغة العربية والسياق الشرعي لتحديد المراد من كلام النبي
ﷺ، وقال الإمام علي بن المديني رحمه الله تعالى عن أهميته "التفقه في معاني
الحديث نصف العلم ومعرفة الرجال نصف العلم"([1]).
وقال أمير المحدثين وسيد الفقهاء الإمام البخاري
رحمه الله: "... فعليك بالفقه الذي يُمكنك تعلمه وأنت في بيتك قارٌّ ساكن، لا
تحتاج إلى بعد الأسفار ووطء الديار، وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث. وليس
ثواب الفقيه بدون ثواب المحدث في الآخرة، ولا عزّه بأقل من عِزّ المحدّث"([2]).
قال الخطابي في مقدمة كتابه "معالم
السنن": "بعد معرفة صحة الحديث؛ يجب الاشتغال بفهمه، إذ هو ثمرة هذا
العلم. فإن الأساس بدون البناء بيت خرب". وقال ابن حجر: "فالحق أن كلاً
منهما (يعني معرفة فقه الحديث ومعرفة صحته وضعفه) في علم الحديث مهم لا رجحان
لأحدهما على الآخر، نعم؛ لو قال: الاشتغال بالفن الأول (يعني فقه الحديث) أهم كان
مسلماً مع ما فيه، ولا شك أن من جمعها حاز القدح المعلى، ومن أخل بهما فلا حظ له
في اسم المحدث"([3]).
هناك العديد من الكتب المشهورة التي تهتم بفقه
الحديث، أي استنباط الأحكام الفقهية من الأحاديث النبوية، ومن أعلام كتب فقه
الحديث عند المتقدمين كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس، جمع فيه
الأحاديث والآثار مع بيان فقهها، وهو من أوائل الكتب التي جمعت بين الحديث
والفقه.
وكتاب "الأم" للإمام الشافعي، ويتضمن
استنباط الإمام الشافعي للأحكام من الأحاديث، وهو من أوائل الكتب التي رسخت منهج
الاستدلال الفقهي بالحديث.
و"السنن الكبرى" و"السنن
الصغرى" للإمام البيهقي، ركّز البيهقي على الاستدلال الفقهي بالحديث، مع بيان
طرق الاستنباط ومذاهب الفقهاء.
ومن كتب فقه الحديث عند المتأخرين، "نصب
الراية لأحاديث الهداية" للزيلعي، يهتم بتخريج الأحاديث الواردة في
"الهداية" للمرغيناني، وهو كتاب فقهي حنفي.
و"البدر المنير" و"نيل
الأوطار" للإمام الشوكاني "نيل الأوطار" هو شرح لكتاب "منتقى
الأخبار" لمجد الدين ابن تيمية، وهو من أشهر كتب فقه الحديث عند أهل
السنة.
وكتاب "سبل السلام" للصنعاني، وهو شرح
لكتاب "بلوغ المرام" لابن حجر العسقلاني، ويتميز بتحقيقه في المسائل
الفقهية المختلف فيها.
ومن كتب
شروحات كتب الحديث مع الاهتمام بالفقه "فتح الباري شرح صحيح البخاري"
لابن حجر العسقلاني، يجمع بين الحديث والفقه، مع سرد أقوال الفقهاء وتحقيق
الروايات.
وكتاب "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"
للعيني، يركز على شرح الأحاديث من الناحية الفقهية واللغوية مع مقارنة أقوال
المذاهب.
وكتاب "إرشاد الساري شرح صحيح البخاري"
للقسطلاني، يهتم بإيضاح المعاني الفقهية للأحاديث، مع بيان أوجه الخلاف
الفقهي.
والكتاب النافع "شرح صحيح مسلم" للإمام
النووي، من أفضل شروح صحيح مسلم، ويجمع بين تحقيق الحديث والاستدلال الفقهي.
هذه بعض أشهر كتب فقه الحديث التي اعتنى بها
العلماء عبر العصور، ولكل منها ميزاته وأسلوبه في تناول الأحاديث الفقهية.
ثانيًا: أيهما أنفع للناس؟
لو نظرنا إلى حاجة عموم الناس، فسنجد أن فقه
الحديث أنفع لهم، لأنه يساعدهم في فهم الدين والعمل به، ولا حاجة لهم بدراسة علوم
الحديث لغير المختص، أما طلبة العلم في الجملة، فيحتاجون إلى كلا العلمين ولا سيما
المختص بهذا العلم؛ فمصطلح الحديث يحفظ السنة من التحريف، وفقه الحديث يحقق الغاية
من الرواية، وهي العمل بها.
ثالثًا: هل يكفي الاعتماد على حكم الأوائل على
الأحاديث؟
· العلماء السابقون بذلوا جهودًا عظيمة في التصحيح
والتضعيف، ولكن العلماء المتأخرون لا يستغنون عن التحقيق، لأن بعض الأحكام قد
تحتاج إلى مراجعة في ضوء تطور البحث في علم العلل، واتساع دائرة المخطوطات.
· ويضرب أصحاب هذا القول مثالاً ويقولوا: قد نجد
حديثًا ضعَّفه بعض الأوائل بسبب راوٍ مجهول، ثم يُكتشف له توثيق في مصدر آخر،
فيرتقي الحديث درجة. وهذا
لا يُسلم له من وجوه أهمها أن المتقدمين هم من حكموا على الرجال والاسانيد في
المتن، فلا يمكن بمكان أن يجتمعوا على حكم قد حكموه على راوٍ معين ثم يأتي المعاصر
بعض 1440 عام لخالفهم، لان هذا الامر يخالف العقل والمنطق. والأصل في المسألة أن
الحكم للمتقدمين وما وافق من المتأخرين للمتقدمين فبها والا قول المتأخر والمعاصر
يضرب به جانباً إلا ما كان مبني على خلاف قديم ثم جاء المتأخر او المعاصر وجمع
الاقوال والقرائن ثم خرج بقول اجتهد فيه.
· ومع ذلك، فإن الاعتماد على أحكام الأوائل أصلٌ
متين، لأنهم أقرب إلى عصر الرواية وأكثر دقة في النقل.
الخلاصة
· مصطلح الحديث مهم لحفظ السنة من الخطأ والتحريف.
· فقه الحديث أهم لعامة الناس لأنه يعينهم على
العمل بالدين.
· لا يمكن الاستغناء عن التحقيق الحديثي المعاصر،
لكن يجب اعتماد جهود الأوائل والاستفادة منها وجعلها الفيصل في التنازع في الاحكام
على الاحاديث والرجال.
وكتبه
يوسف طه السعيد
إرسال تعليق