الكفاءات العلمية تجارة البلدان
ماذا لو جلبت الدول العربية
الكفاءات العلمية واستثمرتها في بناء بلدانها؟
المقدمة
تعتبر الكفاءات
العلمية والمهنية من أهم الركائز التي تقوم عليها تقدم الأمم وازدهارها.
ولا يخفى على كبير
علمكم أن الدول العربية تعاني من ظاهرة "هجرة العقول أو ما يُسمى بالكفاءات
العلمية"، حيث يغادر العديد من العلماء والباحثين وأصحاب الكفاءات العالية
إلى الدول الغربية وغيرها بحثًا عن فرص أفضل، مما يؤدي سلباً إلى خسارة كبيرة في
الموارد البشرية المؤهلة. ومعلوم أن هناك العديد من الكفاءات العلمية التي هاجرت
إلى دول أخرى بسبب نقص الفرص أو الدعم في بلدانها الأصلية أو الخوف على حياتهم
وحياة اسرهم.
وهنا نسأل: ماذا
لو استطاعت الدول العربية جذب هذه الكفاءات واستثمارها في بناء اقتصادها وتطوير
مجتمعاتها؟ وما هي الآثار المترتبة على ذلك إذا تم توفير ما يلزم ذكره لاحقاً؟
وفي هذه الوُريقات سنناقش أهمية جلب الكفاءات
العلمية، والآثار المترتبة على ذلك من النواحي الاقتصادية، والاجتماعية،
والسياسية، والثقافية، وكيف يمكن للدول العربية تحقيق هذا الهدف بفعالية.
أهمية جلب واستقطاب الكفاءات العلمية
لا يخفى على عاقل أن العنصر البشري المؤهل يُعدّ الأساس
في تحقيق النهضة للأمم، فالدول المتقدمة لم تزدهر إلا من خلال الاستثمار في العقول
الناضجة والمبدعة في مجالاتها. ولو قامت الدول العربية بجذب علمائها ومفكريها
بدلاً من فقدانهم لصالح الدول الأجنبية، لأدى ذلك إلى:
1. تحقيق التنمية
المستدامة وتحقيق
الاكتفاء العلمي والتكنولوجي
فالكفاءات العلمية
تساهم في تطوير قطاعات كثير وكبيرة مثل الصحة، التعليم، التكنولوجيا الحديثة،
والصناعة، والهندسة مما يؤدي إلى تحقيق تنمية مستدامة.
2. تعزيز
الابتكار البحث
العلمي:
بوجود علماء وباحثين وتوفر الكفاءات
العلمية داخل أوطانهم
ستتولد أفكارًا جديدة مستحدثة، وستتمكن الجامعات والمراكز البحثية من تحقيق قفزات
علمية ومنافسة للدول الكبرى. وحلولًا جديدة مبتكرة للمشكلات المحلية، مما
يعزز الابتكار في مختلف المجالات.
3. تحسين جودة
الحياة:
ويأتي ذلك من خلال
تطوير البنية التحتية والخدمات العامة، هذا الامر يمكِّن للكفاءات العلمية أن
تساهم في تحسين جودة الحياة لشعوبها.
4. تقليل
الاعتماد على الخارج:
البديهي أن جلب
الكفاءات وتوفير البيئة الملائمة لهم يقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية، مما
يعزز الاستقلالية الاقتصادية والعلمية.
الآثار المترتبة على جلب
الكفاءات العلمية
1. الآثار الاقتصادية:
زيادة النمو
الاقتصادي: فالكفاءات العلمية والعقول
المستقطبة ستسهم في تحسين الاقتصاد عبر الابتكار وإنشاء المشاريع التنموية، وكذلك تساهم في
زيادة الإنتاجية وتطوير الصناعات المحلية، مما يعزز النمو الاقتصادي. في المقابل ستنخفض نسبة البطالة بفتح مجالات
جديدة للعمل والتطوير، وستزداد الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية نتيجة الاعتماد
على الكفاءات المحلية بدلًا من الأجنبية.
2. الآثار الاجتماعية:
من الاثار الاجتماعية المترتبة أنه
ستنتشر ثقافة البحث العلمي والابتكار داخل المجتمعات العربية، كما ستتغير نظرة
العامة إلى العلماء والمفكرين، مما يعزز مكانتهم في المجتمع، ويحفز الشباب
للاقتداء بهم، ينتج عن ذلك قلة هجرة الشباب إلى الخارج، حيث سيجدون بيئة عمل محفزة
داخل أوطانهم، ويترتب على هذا الامر نتائج مهمة جداً منها:
أ. تحسين التعليم والصحة:
الكفاءات
العلمية تساهم في تطوير المنظومة التعليمية والطبية، مما ينعكس إيجابًا على
المجتمع.
ب.
تعزيز
هوية الانتماء للبلد:
فجذب
الكفاءات يعزز الانتماء ويقلل من هجرة العقول العربية إلى الخارج.
3. الآثار السياسية:
من الاثار السياسية التي ستترب على استقطاب الكفاءات
أنها سيؤدي امتلاك العلماء والخبراء والطاقات، مما يعود إلى زيادة النفوذ العربي والعالمي
عبر المساهمة في التطورات العلمية والتكنولوجية، فالدول التي تمتلك
كفاءات علمية قوية تزيد من نفوذها على الساحة الدولية. في المقابل ستصبح الدول العربية أقل تأثرًا بالضغوطات
الخارجية التي تعتمد على التحكم في التكنولوجيا والبحث العلمي في الدول الغير
متطورة، مما يعود سلباً إلى كشف جميع أوراقها وسقفها العلمي للدول الاخرى. وكذلك سيؤدي
ذلك إلى تقوية الأمن القومي عبر تطوير الصناعات العسكرية والتكنولوجية. وكذلك تعزيز
الاستقرار السياسي، فالدول التي تستثمر في كفاءاتها تكون أكثر استقرارًا سياسيًا
بسبب تحسين الظروف المعيشية.
4. الأثر الثقافي والفكري
من الاثار الإيجابية الجانب الثقافي والفكري من استقطاب
الكفاءات؛ أنه سيؤدي إلى تعزيز ثقافة الإبداع والتميز في المجتمعات العربية، كما ستنتشر
تنوعات المعارف العلمية بشكل أوسع، مما يرفع مستوى الوعي الثقافي والعلمي والفكري،
مما سيُظهر نهضة ثقافية وعلمية وفكرية جديدة قائمة على البحث والتطوير، بدلًا من
الاعتماد على الأفكار المستوردة من الخارج.
شروط نجاح استقطاب الكفاءات
العلمية
1. توفير
الحصانة القانونية والحماية:
فحماية
الكفاءات من البيروقراطية والفساد الإداري لضمان استمراريتهم في العمل، وحمايتهم من أي مضايقات قد تدفعهم
إلى التفكير في الهجرة مجددًا. فيجب أن تشعر الكفاءات العلمية بالاستقلالية
والحرية في إجراء أبحاثهم دون تدخل سياسي أو إداري يعوق تقدمهم، شرط أن تكون تلك الأبحاث
لا تخالف معلوم من الدين بحرمته، أو بصورة أخرى لا يخالف ثوابت الدين العامة.
2. توفير
رواتب مجزية وحوافز مغرية:
يجب أن
تكون الرواتب قادرة على تلبية احتياجات الكفاءات وتغنيهم عن البحث عن فرص في
الخارج، وتقديم مكافآت
ومنح بحثية للمشاريع المبتكرة.
3.
توفير بيئة عمل محفزة وتوفير مرافق بحثية متطورة وفرص للتطوير المهني.
4.
تشجيع البحث العلمي وتمويل المشاريع البحثية ودعم الابتكارات العلمية.
5.
تعزيز التعاون بين الجامعات والصناعة على المستوى المحلي والعربي والعالمي لضمان
تطبيق الأبحاث العلمية في الواقع العملي.
التحديات المحتملة
التكلفة
المالية العالية:
توفير
رواتب مجزية ومرافق بحثية متطورة يتطلب استثمارات كبيرة، مما يتطلب عمل دراسة جدوى
مكثفة لاستيعاب تلك المشكلات.
2.
البيروقراطية* والفساد:
قد تعيق
البيروقراطية والفساد جهود جذب الكفاءات، من خلال تدخلاتها في تخصصات الغير، مما
يعود سلباً بنتائج كبيرة يصل إلى الفشل.
3.
التنافس العالمي وتوفير الافضل:
الدول تتنافس مع دول
أخرى توفر ظروفًا أفضل للكفاءات العلمية، مما سيتولد عن ذلك هجرة للبحث عن تلك
المميزات.
خاتمة
لا يخفى على كبير
علم المطلع كيف صار العراق وسوريا بعد الاحتلال الخبيث من قبل أمريكا وإيران، حيث
اتخذت تلك الدولتان العاديتان خطوات خبيثة، وجعلت من تلك الخطوات والمرتكزات من
أولى أولوياتها، ألا وهي تصفية الكفاءات العلمية ومضايقة الاخرين، مما نتج عن تصدر
أُناس جهلة رعاع أذناب للمشهد السياسي والعلمي والديني، يصل الواحد منهم في جهله
إلى مرحلة أن تخجل أن تقول أنك عراقي أو سوري، وقلبك ينزف ألماً على من قُتِل وهُجِر
على أيدي هؤلاء الفجرة، والمصيبة في ذلك تصدر هؤلاء التلف للمعالم والادوار كافة
سواء على الساحة المحلية أو العالمية.
لقد قُتِل وهُجِر من
العراقيين والسوريين مئات الأُلوف من الطاقات العلمية والثقافية والعسكرية، وكان
ذلك بترتيب وتنسيق وتخطيط، والتقارير المحلية والدولية والمشاهدات العيانية عوضاً عن
شهادات الناس في كثير من القنوات العالمية والمحلية أكثر من أن تحصر هنا، ولعلي
أفرد لها بحثاً خاصاً إن مد الله بالعمر وبارك الجهد.
وعليه يجب أن نعي ونعلم
ونتيقن أن جلب الكفاءات العلمية واستثمارها في بناء الدول العربية سيكون عاملًا
حاسمًا في تحقيق التقدم والازدهار. ومع ذلك، يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية
واستثمارات كبيرة في التعليم والبحث العلمي. فإذا كان ذلك وتم توفير البيئة
المناسبة، فإن الكفاءات العلمية ستكون قادرة على إحداث تحول جذري في مستقبل الدول
العربية.
وكتبه
يوسف طه السعيد
* البيروقراطية تعني نظام الإدارة القائم على القوانين والإجراءات الرسمية، حيث يتم تسيير الأمور وفق هياكل تنظيمية محددة وسلسلة من القواعد والتعليمات. تُستخدم هذه الكلمة غالبًا للإشارة إلى الأجهزة الإدارية في الحكومات أو المؤسسات الكبرى، التي تعتمد على التسلسل الهرمي الواضح وتقسيم العمل بدقة.
ورغم أن
البيروقراطية تساعد في تنظيم العمل وضمان الشفافية، إلا أنها تُنتقد أحيانًا بسبب
التعقيد الزائد، البطء في اتخاذ القرارات، وكثرة الإجراءات الروتينية التي قد تعيق
المرونة والإبداع.
مراجع مقترحة
1. تقارير البنك
الدولي حول هجرة العقول العربية.
2. دراسات حول تجارب
دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية في استقطاب الكفاءات.
3. أبحاث حول تأثير
البحث العلمي على التنمية الاقتصادية.
أخيراً: هذا البحث يمكن أن يكون نقطة انطلاق لدراسة أعمق حول كيفية
تحويل هذه الأفكار إلى سياسات عملية في الدول العربية.
إرسال تعليق