]فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ[
الاستقامة في ضوء قوله تعالى:
(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)
رسالة أصولية فقهية عقدية تربوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالاستقامة، وجعلها
سبيل النجاة والفوز بالكرامة، ونهى عن الميل والانحراف، وحذّر من طرق الغواية
والإسراف، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، القائم بأمر ربه على أكمل وجه،
والمستقيم في سِيره على المحجة البيضاء، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم
الجزاء.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى لما بعث نبيه ﷺ
برسالة التوحيد، وجعل دعوته قائمة على تحقيق العبودية له وحده، أمره بالاستقامة،
فقال: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، فجعلها قاعدة كلية في الدين، ومدارًا لكل طاعة، وأساسًا لكل سلوك مستقيم،
حتى قال بعض السلف: "ما نزل على رسول الله ﷺ
آية كانت أشد عليه من هذه الآية"، وذلك لما تضمنته من
حمل النفس على مقام التمام في الطاعة، والثبات على صراط الله في كل حال.
وقد كانت هذه الآية من جوامع الأوامر،
ومما يدل على عِظم شأنها أن النبي ﷺ قال: "شيبتني هود وأخواتها([1]) "،
كما أخرجه الترمذي، لما فيها من الأمر بالاستقامة، وهو مقام عزيز لا تثبُت فيه
الأقدام إلا بتوفيق من الله.
وهذه الرسالة تتناول هذه الآية الكريمة
من جهات متعددة: في بيان معناها ومقصدها، وموضعها من السياق، وما اشتملت عليه من
الدلالة على كمال العبودية، وتحقيق المراقبة، والتزام الأمر في السراء والضراء.
وكذلك تضمنت أصول الدين وفروعه، كما يُعرض في هذه الرسالة أقوال المفسرين فيها،
ويستجلي أسرارها اللغوية والشرعية، ويُبرز كيف كانت محورًا لمنهج النبوة، وسبيلاً
للفوز برضوان الله.
وإني أستعين بالله على بيان ما انطوت عليه هذه الكلمة الجليلة من كنوز المعاني، سائلاً المولى أن يجعل لنا منها أوفر الحظ والنصيب، وأن يرزقنا الاستقامة في القول والعمل، والسر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللغة:
يدل على قيام واعتدال مأخوذة من (قام، يقوم)، وهي ضد الانحراف
والميل، «واسْتَقَامَ: اعْتدَل وَاسْتَوَى»([2])، «والاسْتِقَامَةُ: اعتِدالُ الشّيءِ واسْتِواؤُهُ»([3]).
والاستقامة في
الاصطلاح: هي ملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط في كل
الأمور، من الطعام والشراب واللباس، وفي كل أمر ديني ودنيوي. قال النبي ﷺ لما
سُئل: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل آمنتُ
بِاللَّه ثمَّ استقِمْ"([4])، وفسِّر على وَجْهَيْن: قيل: هُوَ الاسْتقَامَة على الطَّاعَة، وَقيل: هُوَ
ترك الشِّرك»([5]) .
وقيل الاستقامة ضد الاعوجاج، وهي مرور العبد في طريق العبودية بإرشاد الشرع
والعقل، والمداومة. وقيل الاستقامة ألا تختار على الله شيئاً. وقال أبو علي
الدقاق: لها مدارج ثلاثة، أولها التقويم، وهو تأديب النفس، وثانيها الإقامة، وهي
تهذيب القلوب، وثالثها الاستقامة، وهي تقريب الأسرار.
ولقد تنوعت أقوال السلف في وصف الاستقامة وتعددت وهذه بعض أقوالهم:
سُئل ِصدِّيقُ الأمة وأعظمُها استقامة أبو بكر الصديق عن الاستقامة؟ فقال: "أن
لا تشرك بالله شيئًا".
وقال عمر بن الخطاب: "الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان
الثعلب".
وقال عثمان بن عفان: "استقاموا: أخلصوا العمل لله".
وقال علي وابن عباس: "استقاموا أدوا الفرائض".
وقال الحسن: "استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته".
وقال ابن رجب: "والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهي الدين القيم
من غير تعريج عنه يمنةً ولا يسرةً، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة،
وترك المنهيات كلها كذلك "([6]). فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها.
وعرفها الجرجاني بأنها: "الوفاء بالعهود كلها، وملازمة الصراط المستقيم
برعاية حد التوسط في كل الأمور، من الطعام والشراب واللباس، وفي كل أمر ديني
ودنيوي، فذلك هو الصراط المستقيم، كالصراط المستقيم في الآخرة"([7]).
ومن هذا يمكن القول أن الاستقامة تعني التمسك بالدين كله والثبات عليه. ولذلك قال ابن القيم بعد أن عرَّف الاستقامة بأنها السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال.. قال بعدها: فالاستقامة كلمة جامعة، آخذةٌ بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، والوفاء([8]).
الاستقامة في الاستعمال القرآني
وردت مادة (ق و م) في القرآن الكريم (660) مرة، والذي يخص موضوع (الاستقامة)
منها (47) سبع وأربعون مرة، فجاءت بصيغة الماضي أربع مرات، وبصيغة المضارع مرة
واحدة، وبصيغة الأمر خمس مرات، وبصيغة اسم الفاعل سبعاً وثلاثين مرة. وجاءت
الاستقامة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: الاعتدال، والاستواء، والالتزام([9]).
والاستقامة
في الاستعمال القرآني تحمل استعمالات عميقة تتعلق بالثبات على الصراط المستقيم،
والالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه. ويمكن قراءة هذا المفهوم من خلال عدة
جوانب:
1. الاستقامة
كالتزام بالدين الحق
ذكر
القرآن الاستقامة بمعنى الالتزام بالعقيدة الصحيحة والمنهج القويم، كما في قوله
تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾([10]).
والآية تأمر النبي ﷺ والمؤمنين بالثبات على الدين دون انحراف.
2. الاستقامة
كسلوك أخلاقي وعملي
ترتبط
الاستقامة بالأفعال والأخلاق، كالصدق والعدل والوفاء، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾([11]).
فهي ثمرة الإيمان وتظهر في السلوك اليومي.
3. الاستقامة طريق النجاة
جعل الله
الاستقامة سببًا للفوز بالجنة، كما في قوله: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ
لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾([12]).
فالاستقامة على الطريقة الصحيحة تجلب البركة والرزق.
4. واخيراً الاستقامة تحتاج إلى مجاهدة ودعاء
لأن
النفس تميل إلى الهوى، أمر الله بالدعاء بالثبات: قال تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾([13]).
فالاستقامة ليست مرة واحدة، بل تحتاج إلى تذكير دائم.
الاستقامة
في القرآن تعني الثبات على الدين قولًا وعملًا، بلا انحراف أو زيغ، وهي تحتاج إلى
إرادة قوية، وتوفيق من الله، ودعاء مستمر. وهي سبيل النجاة في الدنيا
والآخرة.
الآية في سورة هود، وقد قال النبي ﷺ: "شيّبتني هود وأخواتها"([14])
، وفسر السلف هذه "الأخوة" بأنها آيات الاستقامة والقيام
بالأمر الثقيل. جاء الأمر بالاستقامة للنبي أولاً، ثم شُرِك فيه
من معه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ
تَابَ مَعَكَ﴾([15])، وهذا دليل على العموم بعد الخصوص.
الألفاظ ذات الصلة التي وردت ولها علاقة
بالاستقامة
كلمة
"الاستقامة" في القرآن الكريم لها دلالات متعددة، ويمكن أن نجد لها
مرادفات أو معاني قريبة تعبر عن نفس المفهوم في سياقات مختلفة. من هذه المفردات:
1. الهدى
ومثاله قوله تعالى: ﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ﴾([16]).
يشير إلى الاستقامة على الطريق الصحيح والسير وفق الحق.
2. الصراط
المستقيم
ومثاله قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾([17]). تعني الطريق الذي لا اعوجاج فيه، وهو الطريق
الحق.
3. القسط
ومثاله قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ
وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾([18]). يدل على العدل والتوازن في السلوك.
4. العدل
ومثاله
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾([19]). يعبّر عن الاستقامة في القول والعمل.
والصلة بين الاستقامة والعدل؛ أن العدل أعم من الاستقامة؛ لأن العدل يقتضي
استقامة الحال في الدنيا، واستقامة المآل في الآخرة، فهو بهذا الوجه بمعنى
الاستقامة، وكل ما له مدلول المثلية فهو عدل، فإن من العدل ما هو مذموم، كما قال
تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ ([20]).
5. التوحيد
"بمعنى الاستقامة على عبادة الله وحده".
ومثاله قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾([21]).
تشير إلى الالتزام بأوامر الله والإخلاص له.
6. الإيمان
ومثاله قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾([22]). يدل على الثبات على الإيمان والعمل الصالح.
7.
الحق
ومثاله
قوله تعالى ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾([23]).
يشير إلى التمسك بالطريق الحق، والتمسك بطريق الحدق دليل استقامة والتزام وانضباط.
8. الرشد
ومثاله
قوله تعالى: ﴿يَهْدِي
إِلَى الرُّشْدِ﴾([24]) والرشد: اسم
جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم، والصلة بين الاستقامة والرشد أن الاستقامة هي السير على المنهج القويم بما
يضمن السلامة من غضب الله تعالى ومن عذابه، أما الرشد فهو حُسن التصرف في الأعمال
للوصول إلى الاستقامة. وعلى هذا، فالاستقامة هدف، والرشد طريق عملي للوصول إلى ذلك
الهدف.
ومثاله
أيضاً قوله تعالى: ﴿قَدْ
تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾([25]) أو أمر في غاية
الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامه للعقول،
وظهرت طرقه، وتبين أمره، وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره
واختاره، وأما من كان سيئ القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه
الباطل، ويبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين،
لعدم النتيجة والفائدة فيه([26]).
9. القصد
ومثاله قوله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ أي وعليه تعالى هداية الطريق
المستقيم([27])، وكذلك هُوَ الطَّرِيقُ
الْمُسْتَقِيمُ الْقَاصِدُ، الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى
مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى
الْمُزَنِيُّ:
صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَأَقصَرَ |
|
بَاطِلُهُ وَعُرِّيَ أَفْرَاسُ الصِّبَا وَرَوَاحِلُهُ |
وَأَقْصَرْتُ عَمَّا تَعْلَمِينَ وَسُدِّدَتْ |
|
عَلَيَّ سِوَى قَصْدِ السَّبِيلِ مَعَادِلُهُ |
وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَمِنَ الطَرِيقَةِ جَائِرٌ وَهُدًى |
قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهُ ذُو دَخَلِ([28]) |
والصلة بين الاستقامة والقصد؛ أن الاستقامة هي السير على المنهج القويم بما
يضمن السلامة من غضب الله تعالى ومن عذابه، أما القصد فهو حُسن التوجه القلبي؛
للوصول إلى الاستقامة. وعلى هذا، فالاستقامة هدف، والقصد طريق قلبي للوصول إلى ذلك
الهدف.
إن الاستقامة في القرآن الكريم تُعبر عن الالتزام بالطريق القويم، الثبات على الحق، العدل، التوحيد، والإيمان. المفردات المرادفة تختلف حسب السياق، لكنها جميعًا تشير إلى معاني الاستقامة والسير على الصراط المستقيم.
القواعد الأصولية المستفادة
من الآية
1. قاعدة: الأمر يفيد الوجوب: وقد جاء في قول
الله تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ﴾ أمرٌ، والأصل في الأمر عند الأصوليين أنه يفيد الوجوب، إلا إذا صُرف بقرينة. وهذا يؤيده قوله ﷺ: "استقيموا ولن تحصوا"([29])، فدلّ على أنه مطلوب وجوبًا.
وقاعدة
"الأمر يفيد الوجوب" تعني أن الصيغة اللغوية التي تُعبِّر عن
الأمر (مثل الفعل الأمر: "افعل"، أو صيغة "ليفعل") تحمل في
الأصل دلالة على الوجوب، أي أن المأمور به يكون واجبًا شرعًا على المكلف ما لم
توجد قرينة تصرفه عن هذا الوجوب إلى معنى آخر.
وتفصيل القاعدة يكون بالشكل التالي:
1. الأصل
في الأمر الوجوب: إذا جاء النص الشرعي بصيغة أمر، مثل: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾([30])،
أو: "صوموا"، فإنه يُفيد وجوب الفعل إلا إذا وجدت قرينة تُغير الدلالة.
وهذه القاعدة مُستنبطة من استقراء النصوص الشرعية وأحوال الخطاب في القرآن والسنة.
2.
القرائن التي تصرف الأمر عن الوجوب: قد يحمل الأمر معنى غير الوجوب إذا
دلت قرينة على ذلك، مثل:
- الندب: كقوله تعالى: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ
إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾([31])،
حيث فُهم أن الكتابة مُستحبة وليست واجبة.
- الإباحة: مثل قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾([32])،
حيث الأمر للإباحة.
- الإرشاد أو التهديد: كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا
مَا شِئْتُمْ﴾([33])،
الذي جاء في سياق التهديد.
3.
اختلاف العلماء في تطبيق القاعدة:
اختلف
العلماء في الأمر هل يدل على الوجوب بذاته أم لا بد من قرينة تثبت هذا الوجوب؟ والعلماء
في هذه المسألة على أقوال أربعة:
القول
الأول: الأمر للوجوب، وهذا قول جمهور أهل العلم.
القول
الثاني: الأمر يدل على الندبية إلا إذا جاءت القرائن التي تبين
الوجوب.
القول
الثالث: الوقف، فلا يدل على الوجوب ولا على غير الوجوب حتى تأتي
القرائن.
القول
الرابع: الأمر للإباحة، وهذا ضعيف.
والراجح
الصحيح أن ظاهر الأمر يدل على الوجوب كما هو قول الجمهور، والدليل على ذلك قول
الله جل في علاه في كتابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}([34])،
قال أحمد: الفتنة الشرك، فقد حذر الله من مخالفة أمر النبي ﷺ، وهذا التحذير يدل
على أن الأمر للوجوب.
أيضاً
قول النبي ﷺ: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"، وفي رواية مسلم "عند
كل صلاة" ([35])،
فقد امتنع من الأمر حتى لا تقع المشقة؛ ولذلك قال الشافعي: لو أمر لوجب شق أو لم
يشق.
أيضاً
قول النبي ﷺ: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول
الله؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"([36])،
فلا يستحق النار إلا من عصى.
وأوضح من
ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: قدم رسول الله ﷺ لأربعٍ مضين من ذي
الحجّة، أو خمسٍ، فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت: مَنْ أَغْضَبَكَ يَا رَسُولَ اللهِ
أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ؟ قَالَ: أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ
بِأَمْرٍ، فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ"([37]).
والدعاء بدخول النار لا يكون إلا من لمن عصى، فهذه دلالة على أن عصيان الأوامر
يأتي بالهلاك؛ لأنه خالف أمر الله، فهذه دلالة على أن أمر الله على الوجوب لا على الاستحباب
كما هو الراجح والصحيح الذي لا محيد عنه([38]).
أمثلة
تطبيقية:
- وجوب
الصلاة: ﴿وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ﴾([39])،
الأمر هنا للوجوب.
- ندب
الصدقة: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾([40])،
الأمر هنا للندب لقرائن أخرى.
والخلاصة:
أن هذه القاعدة الأصولية تُعتبر مرجعًا مهمًّا لفهم النصوص، لكن لا يُكتفى بالصيغة
وحدها بل يُنظر إلى السياق والقرائن والنصوص الأخرى
2. قاعدة: التكليف على قدر الطاقة
قول الله تعالى: ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ يقيّد الاستقامة بالمقدور لا بالمثالية، وعلوم أن القران يُسفر بعضه بعضاً،
ولبيان قوله تعالى السابق جاء قوله تعالى في موضع آخر يبين ويوضح ذلك الامر: ﴿فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾([41]). فجعله سبحانه وتعالى الرحيم أن يكون بالاستطاعة.
3. قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
ربما يقول بعضهم أن هذه الآية نزلت خاصة بالنبي ﷺ، وهذا خطأ كبير، وفهم سقيم، إذ صحيح أن الآية نزلت خطابًا للنبي ﷺ، ولكن العبرة بعمومها، فيدخل فيها كل مكلّف، كما في الحديث: "قل آمنت بالله ثم استقم([42]) "، ولم يخص النبي ﷺ وحده في الخطاب بل جميع الامة.
الفوائد الفقهية والتربوية من
الآية
1. الاستقامة تشمل جميع أبواب الدين:
قال بعض العلماء:
"الاستقامة تشمل أداء الفرائض، وترك المحرمات، والدوام على ذلك"،
فالصلاة استقامة، والزكاة استقامة، والتوحيد أعظمها.
2. الاستقامة ليست حالة عرضية بل منهج دائم:
ففي قوله:
﴿فَاسْتَقِمْ﴾ فعل أمر يدل على الثبات، لا مجرد الفعل
الآني. ولهذا قرن الله بينها وبين الإيمان به والاقرار
بربوبيته والوهيته، كما في قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾([43]).
3. الاستقامة لا تعني العصمة بل المجاهدة المستمرة:
وهذه من اهم الأصول التي لابد أن يعيها المسلم، وأن يعلم أنه مهما بلغ من العبادة والعمل فلابد من الوقوع بالخطأ والتقصير، ولكن الأصل في ذلك الاجتهاد والبذل والاستقامة على منهج وبرنامج معين، يحث نفسه عليه ويطوره كل مدة، ولا يجهد نفسه فوق ما لا يطيق لقوله ﷺ: "استقيموا ولن تحصوا" أي لن تبلغوا الكمال التام.
1. الاستقامة ثمرة الإيمان الحق:
قال الله تعالى في كتابه
الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾([44])، فدلّ على أن الاستقامة أثر من آثار التوحيد الحق.
2. الاستقامة حصن من البدعة والانحراف:
قال الإمام مالك:
"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، والاستقامة تعني التمسك
بالوحي، وما كان عليه الرعيل الأول من هذه الامة، والبعد عن الأهواء والعقليات
والرغبات، وكلما استقمت على أمر هذا الدين ومنهجه لقويم، على ما كان عليه الصحابة
وما أخذوه عن سيد المرسلين؛ فأنت على الجادة.
3. لا تزكية إلا باستقامة:
قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾([45])، فليس هناك دلالة على صلاح المرء من كثرة العلم أو الدعوى، بل على قدر استقامته الظاهرة والباطنة. نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية قوله: " أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"([46])، ولزوم استقامة وصلاح الظاهر والباطن دلالة رضى وقبول عند الله تعالى والملأ الأعلى.
الاستقامة الشرعية تكون بالاتباع لا
الابتداع
أولًا: بيان وجه الاستدلال من الآية
قال الله تعالى:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، وهذا أمرٌ للنبي ﷺ، ومن معه من المؤمنين، بالاستقامة على ما أمر الله به،
لا على ما تهواه النفوس أو تستحسنه العقول. وفي قوله ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ حصر
لطريق الاستقامة، أي: لا استقامة حقيقية إلا على وفق الأمر الإلهي، لا على غيره،
ومنه قوله تعالى: ﴿وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ﴾([47]) قوله: {بذلك}، الجار والمجرور متعلق بـ {أمرت}، فيكون دالاً على الحصر
والتخصيص، وإنما خص بذلك، لأنه أعظم المأمورات، وهو الإخلاص لله تعالى ونفي الشرك،
فكأنه ما أمر إلا بهذا، ومعلوم أن من أخلص لله تعالى، فسيقوم بعبادته - سبحانه
وتعالى - في جميع الأمور وفق ما أمر وعلى قدر ما شرع.
قال ابن كثير عن هذه الآية: "يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ وَعِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّبَاتِ
وَالدَّوَامِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ"([48])، أي: الزم الاستقامة كما أمرك الله، ومن معك من المؤمنين."
وقال السعدي: "أي: استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط،
بل امتثالاً لأوامر الله واجتناُبا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك، فأمره
بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك. ومن المعلوم أن
أمر الرسول ﷺ أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له"([49]).
ويعني ذلك الزم الاستقامة في
عبادة الله، والقيام بحقوقه وحقوق عباده، قولًا وفعلاً، واعتقادًا، بنيّة صادقة،
وعزيمة جازمة، بحيث تكون الأقوال والأعمال كلها خالصة لله، موافقة للشرع، فإن ذلك
هو طريق الله المستقيم.
فدلّ ذلك على أن الاستقامة إنما تكون
بالتمسك بما جاء به الوحي، لا بمحض الرأي أو الذوق أو الاستحسان.
ثانيًا: وجوب الاتباع، وتحريم الابتداع
قال الله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا
مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾([50])، وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([51])، وقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾([52])، فهذه الآيات أصل في أن الدين تامّ، لا يُحتاج إلى زيادة، وأن طريق
الاستقامة هو الاتباع المحض، لا الابتداع.
ثالثًا: تعريف البدعة
البدعة لغةً: من "الابتداع"، وهو اختراع شيءٍ لا سابقة له. قال الجوهري: أبدعت الشيء: اخترعته([53]). وقال في الاساس: اخترع الله الاشياء: ابتدعها من غير سبب([54]). وبدع الشيء بدعاً: أنشأه على غير مثال سابق. وفي القرآن الكريم: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾([55])،أي: مبدعهما سبحانه وتعالى. وابتدع فلان: أتى ببدعة([56]).
واصطلاحًا: قال الإمام الشاطبي: " الْبِدْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ: طَرِيقَةٍ
فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٍ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ
عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ."([57]). فهي كل ما أُحدث في الدين مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه.
رابعًا: أنواع البدعة
قال العلماء إن البدع تنقسم باعتبار
محلها إلى:
1. بدع اعتقادية: كبدعة الجهمية والرافضة والقدرية.
2. بدع عملية: كالتعبد لله بعبادات لم يشرعها، كزيادة ركعات على الصلاة،
أو تخصيص ليلة لم يُخصّصها الشرع بعبادة.
3. بدع تركية: كمن يترك شيئًا مشروعًا تعبّدًا بتركه، مثل ترك السواك أو
الجماعة زعمًا أن في الترك فضيلة.
4. بدع إضافية: لها أصل في الشرع، لكن أضيف إليها وقت أو كيفية أو عدد لم يشرعه الله،
كأذكار جماعية على هيئة معينة.
خامسًا: خطورة البدعة
جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من
البدع، ومنها:
حديث عائشة رضي الله عنها: أن
النبي ﷺ قال: " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ"([58]). وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن النبي ﷺ كان يقول في خطبه:
" أَمَّا بَعْدُ.
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ. وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ.
وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"([59]). قال قال
سفيان الثوري: البدعة أحب
إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية قد يتاب منها
والبدعة لا يتاب منها"([60]). وقال ابن رجب: " وكلُّ مَنْ أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدين في
شيء"([61]). لذلك كل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه
فهو ضلالة، والدين قد كَمُل، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا.
سادسًا: الاستقامة لا تقوم إلا على هدي النبي ﷺ
فالاستقامة الحقة هي لزوم الصراط
المستقيم، وهو كما في الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾([62])، وهُم النبي ﷺ وأصحابه. فمن حاد عن طريقتهم، فقد خرج عن حدّ الاستقامة. قال
الإمام مالك رحمه الله: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم
يكن يومئذٍ دينًا، فلن يكون اليوم دينًا."
فالذي صلح به أول هذه الأمة حتى أصبح
سلفاً صالحاً هو القرآن الذي وصفه منزِّلُه بأنه إمام، وأنه موعظة، وأنه نور، وأنه
بينات، وأنه برهان، وأنه بيان، وأنه هدى، وأنه فرقان، وأنه رحمة، وأنه شفاء لما في
الصدور، وأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
وأنه قول فصل وما هو بالهز ل. ووصفه من
أنزل على قلبه، محمد بن عبد الله ﷺ بأنه لا يخلق جديده، ولا يبلى على
الترداد، ولا تنقضي عجائبه، وبأن فيه نبأ من قبلنا، وحكم ما بعدنا، ثم هو بعد حجة
لنا أو علينا([63]).
إن الأمر بالاستقامة في قوله تعالى: ﴿فاستقم
كما أمرت﴾ لا يتحقق إلا بلزوم أوامر الله ورسوله، والتمسك بما جاء
به الوحي، وترك البدع والمحدثات، وإن زُخرفت أو استحسنها الناس. فليست الاستقامة
اتباعًا للذوق ولا للعقل المجرد ولا لعادات الأقوام، بل هي التزام بما شرع الله،
واتباع لما أمر به رسوله، ومن حاد عن ذلك، وقع في الضلالة وإن ظن أنه من أهل الخير
والصلاح.
سابعاً: أقوال السلف في الاستقامة والتحذير من البدع
جاءت كثير من العبارات للسلف في معنى الاستقامة
ووجوب الاتباع، ومنها:
قال أبو
بكر الصديق رضي الله عنه: "إنما أنا متبع، ولست بمبتدع"([64]).
وقال عمر
بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروة إذا نشأ في
الإسلام من لا يعرف الجاهلية"([65]).
وقال ابن
مسعود رضي الله عنه: "اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم، وكل بدعة ضلالة"([66]).
وقال
الحسن البصري رحمه الله: "السُّنَّة -والذي لا إله إلا هو- بين الغالي
والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس في الزمن
الماضي، وهم أقلّ الناس في الزمن الباقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإغراق في
غلوّهم، ولا مع أهل التقصير في جفائهم"([67]).
في التحذير من البدع وخطورتها قال عبد الله بن
عمر رضي الله عنهما: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"([68]).
الإمام
مالك بن أنس رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن
محمدًا ﷺ خان الرسالة؛ لأن الله يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾([69])،
فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا"([70]).
الإمام
الشافعي رحمه الله: "من استحسن فقد شرع"([71]).
وفي
التحذير من اتباع الهوى قال الحسن البصري: "لا يستقيم الدين إلا على ثلاثة:
كتاب الله، وسنة نبيه، والاقتداء بأصحابه، وما سوى ذلك فهو هوى"([72]).
وقال ابن
سيرين رحمه الله: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم"([73]).
ومما سبق
يتبيّن من أقوال السلف رحمهم الله أن الاستقامة لا تكون إلا بالاتباع، لا بالذوق
ولا العقل المجرد ولا الهوى، وأن البدعة من أعظم أبواب الانحراف عن صراط الله
المستقيم، ولو استحسنها الناس. فليكن العبد على حذر، وليتمسك بما جاء به الكتاب
والسنة، على فهم السلف الصالح، فهو طريق النجاة. «واللهُ تعالَى يُوَفِّقُنا
لِلاتِّباعِ، ويُجَنِّبُنَا الابْتِداعَ، آمينَ»([74]).
إن الاستقامة ليست
شعارًا يُرفع، بل طريق يسلك، وأمر رباني يُنفّذ، والأمة اليوم بحاجة ماسّة إلى
خطاب إصلاحي يستنهض فيها معاني الاستقامة بكل ما تحمله من التزام عقدي، وخلق قويم،
وسلوك عملي منضبط. وإن هذا الأمر الإلهي الذي وجّهه الله لنبيه الكريم ﷺ هو نداء لكل مكلّف: استقم كما أُمرت، لا كما تهوى أو ترى.
لذلك فإن الاستقامة
على شرع الله هي جوهر الدين، ولبُّ العبادة، وسرُّ الفلاح في الدنيا والآخرة. وقد
بينا في هذه الرسالة معنى الاستقامة، وأهميتها في حياة المسلم، وأنها ليست مجرد
كلمة تُقال، بل هي ثبات على المنهج، وتمسك بالسنة، واجتناب للبدع والضلالات.
وكذلك قد تبيَّن لنا
خطورة الابتداع في الدين، وأنه سبيل إلى الهلاك، وطريق إلى الخسران، لأن البدعة
مضادة للاستقامة، وهي سبيل لتحريف لدين الله بغير علم، وتقوُّلٌ على الله بغير حق.
وقد قسم العلماء البدع إلى أقسام، وكلها خطر على العقيدة والشريعة، لأنها تُفْسِد
القلوب، وتُباعِد عن السنة، وتُفَرِّق الأمة.
فالواجب على المسلم
أن يلزم السنة، ويقف عند حدود الشرع، ولا يزيد في الدين ما ليس منه، لأن الله قد
أكمل الدين، ورضي لنا الإسلام منهجًا. فمن استقام على ما أُمِر، وترك ما نُهي، فقد
فاز برضا الله، وحاز السعادة في الدارين.
ختامًا:
الاستقامة نجاة،
والبدعة هلاك، فليحرص كل مؤمن على لزوم الحق، واتباع النبي ﷺ، والثبات على ما كان
عليه السلف الصالح، حتى يلقى ربه وهو عنه راضٍ.
الحمد لله الذي هدانا
للإسلام، وأمرنا بالاستقامة على دينه القويم، وصلاة وسلام على نبينا محمدٍ، الذي
بلَّغ الرسالة للبشر، وأمر بالاستقامة كما أُمِر، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
يوسف طه السعيد
([1])
أخرجه الترمذي في "جامعه" 5 / 325 (3297) وعبد الرزاق في "مصنفه" 3 / 368 (5997)
وابن أبي شيبة في "مصنفه" 15 / 552 (30897). الحديث فيه
كلام عند أهل الصنعة الحديثية ليس محل ذكره هنا.
إرسال تعليق