iqraaPostsStyle6/recent/3/{"cat": false}

تنبيه الغافل والمحتار، في التفريق بين البدعة في الدين والابتكار

الكاتب: يوسف طه السعيدتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

 تنبيه الغافل والمحتار

في التفريق بين البدعة في الدين والابتكار

رسالة للتفريق بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وبعد:

يُعدُّ الابتداع في الدين من القضايا الشائكة والخطيرة التي تحظى بأهمية كبيرة في الفقه الإسلامي، حيث يُنظر إليه على أنه إدخال في الدين ما ليس فيه، وهو أمر مرفوض شرعاً كما سيمر معنا. في المقابل، فإن الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا يُعدُّ أمراً محموداً بل ومطلوباً، إذ يسهم في تطور البشرية ورفاهيتها.

من جهة أخرى يشهد العالم اليوم تطورات متسارعة في مختلف المجالات، خاصة في العلوم والتكنولوجيا، مما يطرح تساؤلات حول علاقة الدين بهذه التطورات. وهناك من يخلط بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا، معتقدين أنهما وجهان لعملة واحدة، بينما هما مفهومان مختلفان تمامًا. وبين الحين والأخر يخرج علينا من يقول أن سبب تخلفنا هو الدين والمتدينين، وهنا من يقول أهل الديانة يمنعون التطور ويريدون الناس تبقى على ما كان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وما على شاكلة هذه من الأسطوانات المشروخة، والطنطنة المتكررة.

ولأجل ذلك نقول أن الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا مفهومين مختلفين تمامًا من حيث المنهجية والأهداف والنتائج. وبما أن الابتكار في العلوم والتكنولوجيا يُشجع على التطور والتقدم، فإن الابتداع في الدين يُعتبر انحرافًا عن الأصول الثابتة للشريعة.

وفي هذه الرسالة الموجزة نهدف إلى توضيح الفرق الجوهري بين هذين المفهومين، مع تسليط الضوء على أهمية الابتكار في المجالات الحياتية.

مفهوم الابتداع في الدين

بعيداً عن التعريفات اللغوي والاصطلاحية يمكن توضح فكرة الابتداع في الدين (البدعة) هو فعل الشيء في الدين على غير مثال سابق له أصل في الشريعة. أو: هو إدخال ما ليس من الدين في الدين، أو: إدخال أمور جديدة سواء كان ذلك في العقيدة أو العبادة أو السلوك، أو الشعائر الدينية ولم تكن موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأت بها الشرع الحنيف بدليل من كتاب أو سُنة.  

والبدعة تُعتبر انحرافًا عن النصوص الشرعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية. ويعد هذا النوع من الابتداع غير مقبول في الإسلام، وذلك استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"([1])، بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من البدع بقوله: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"([2]).

أقسام وأنواع البدعة

قسم العلماء البدع إلى بدع مكفرة وبدع غير مكفرة، حسب طبيعة المخالفة الشرعية التي تنطوي عليها، من جهة أخرى فإن البدع في الدين تتنوع حسب نوع البدعة سواء كانت عقدية أو تعبدية، أو سلوكية، فمن البدع العقائدية إنكار صفات الله أو القول بخلق القرآن. ومن البدع التعبدية إضافة صلوات أو طقوس لم ترد في الشرع. وبدع سلوكية مثل اتباع طرق مبتدعة في الزهد أو التصوف.  وقد بين الشاطبي ـ رحمه الله ـ هذا المعنى فقال في الاعتصام: "البدع إذا تؤمل معقولها وجدت رتبها متفاوتة؛ فمنها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن، كقوله تعالى: {وقالوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أزْوَاجِنَا، وإنْ يكُنْ مَيْتَةَ فَهُمْ فِيهِ شرَكاءُ}، وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح، ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا! كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة، ومنها ما هو معصية ويتفق عليها بكفر كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع، ومنها ما هو مكروه: كالاجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة وما أشبه ذلك، فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة فلا يصح مع هذا أن يقال: إنها على حكم واحد، هو الكراهة فقط، أو التحريم فقط".

حكم البدعة في الإسلام

  تُعتبر البدعة محرمة في الإسلام لأنها تشويه للدين وتضليل للمسلمين.

قال تعالى: ﴿المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾([3]). وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾([4]).

وروى البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"([5]).

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"([6]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"([7]) . قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: وهو أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها، كما أن حديث: "إنما الأعمال بالنيات"([8]) ميزان للأعمال في باطنها، فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله، فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس من الدين في شيء([9]). وقال ابن حجر: "هذا الحديث معدود من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعده، فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه"([10]). وقال النووي: "وهذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات، وإشاعة الاستدلال به كذلك"([11]). وقال الطرقي: "هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع"([12]). وقال ابن القيم: "القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن"([13]).  وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم الجمعة: "إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة"([14]). ومن خلال ما ذكرنا من أخبار الأدلة من القران والسنة وكلام العلماء في خطورة البدعة في الدين وأنها مذمومة مردودة على صاحبها.

التحذير من الابتداع في الدين

حذر الإسلام من الابتداع في الدين، واعتبره من أخطر الأمور التي تهدد الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". وعليه يجب على المسلمين التمسك بالدين المبني على الدليل، وتجنب الابتداعات التي تخالف الكتاب والسنة.

أضرار الابتداع

إن الابتداع في الدين له أضرار كبيرة على سبيل الفرد والمجتمع، فمن الاضرار التي يمكن ذكرها: 

- تشويه صورة الإسلام: حيث أن إدخال ما ليس في الشريعة إليها يمكن نقل صورة سيئة عن الإسلام، كما تفعل الطُرق الصوفية في حلقات الذكر المبتدعة من رقص وقفز وحركات مخجلة، وكما يفعل الشيعة من لطم وتطبير بالآلات الحادة وإيذاء أنفسهم وسلوكيات أخر مستمدة من الديانات الأخرى ليس للدين الإسلامي فيها نصيب. 

  - إحداث الفرقة بين المسلمين: لا شك أن الابتداع يزرع الفرقة بين المسلمين، ويثير النعرات وشق الصف، والمطلع يعلم خطورة ذلك، فحين ظهرت الفرق الضالة مثل الخوارج والمرجئة والجهمية تمزق صف أهل الإسلام مما أدى إلى الظلم والجور والقتل والتشريد وضعف الدولة وتمزق وحدتها. 

  - الانحراف عن العقيدة الصحيحة: وهو من أخطر أنواع البدع والتي ينتج عنها التكفير والتفسيق، مما ينتج عنه في كثير من الأحيان إلى الاقتتال. 

تعريف الابتكار في العلوم والتكنولوجيا

الابتكار في العلوم والتكنولوجيا هو عملية تطوير أفكار جديدة أو تحسين الأدوات والتقنيات الموجودة لتحقيق تقدم في المجالات العلمية والصناعية. 

أشكال الابتكار

تتنوع اشكال وأنواع الابتكارات بحسب فرعها واختصاصها، وكل نوع من هذه الأنواع مهم بمكان، ويسد ثغر كبير في نوعه، ومن أشكال تلك الابتكارات:

- ابتكارات تكنولوجية: مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات. 

  - ابتكارات علمية: مثل الاكتشافات الطبية والعلاج الجيني. 

  - ابتكارات صناعية: مثل تطوير الطاقة المتجددة.  ومعنى الطاقة المتجددة: هي الطاقة التي تُستمد من مصادر طبيعية متجددة لا تنفد، أي أنها قادرة على تجديد نفسها بشكل طبيعي في فترة زمنية قصيرة نسبياً، مثل الطاقة الشمسية، وتُستمد من أشعة الشمس باستخدام الألواح الشمسية أو أنظمة التسخين الشمسي. وطاقة الرياح، وتُستمد من حركة الهواء باستخدام توربينات الرياح. والطاقة الكهرومائية وتُستمد من حركة المياه في الأنهار أو السدود. وطاقة الكتلة الحيوية، وتُستمد من المواد العضوية مثل النباتات والنفايات الحيوانية. والطاقة الحرارية الأرضية، وتُستمد من الحرارة الموجودة في باطن الأرض.

وتتميز الطاقة المتجددة بأنها صديقة للبيئة مقارنة بالوقود الأحفوري (مثل النفط والفحم)، حيث تقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري. كما أنها تساهم في تحقيق استدامة الطاقة على المدى الطويل.

أهمية الابتكار

  إن التقدم الحضاري مرهون بمدى قدرة المجتمعات على تبني الابتكار والتطور العلمي، فالأمم التي تهتم بالبحث العلمي والاختراعات تحقق قفزات نوعية في الاقتصاد والصناعة والصحة والتعليم.  لذلك يُعتبر الابتكار محركًا للتقدم البشري، حيث يساهم في تحسين جودة الحياة ومواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والأمراض. ومن هذا المنطلق، يجب تشجيع الابتكار وتوفير البيئة المناسبة له، بما يحقق مصلحة البشرية دون الإخلال بالقيم الدينية والأخلاقية. قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾([15]).  من جهة أخرى الرسول صلى الله عليه وسلم شجع على الاستفادة من الخبرات والتقنيات النافعة، كما في استخدامه للخندق في غزوة الأحزاب، وهو أسلوب عسكري لم يكن معروفًا عند العرب، لكنه تعلمه من الفرس.

 الفرق بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا:

مرَّ معنى خطورة الابتداع في الدين، وأنه خطر وشر عظيم وأنه مذموم في الجملة، وعلى النقيض من ذلك، فإن الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا يُعتبر من الأمور المحمودة، وهو ما حثّ عليه الإسلام وشجع على تطويره. فقد دعا القرآن الكريم والسنة النبوية إلى التفكر والتدبر في الكون، كما جاء في قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق}([16])، وقد برز العديد من العلماء المسلمين في مجالات الفلك والطب والهندسة وغيرها، ما يعكس أهمية الاجتهاد في تطوير العلوم النافعة. وعليه فإن التفريق بين الابتداع والابتكار كبير.

عدم التلازم بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم:

لا يوجد تلازم أو علاقة بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا، لأن الابتداع في الدين هو انحراف عن النصوص الشرعية، وكما مرَّ معنا هو إدخال ما ليس من الدين فيه، أو إضافة عبادات أو طقوس جديدة لم ينزل بها وحي، أو تغيير ما هو ثابت في الدين، ولأن الدين يستند إلى نصوص ثابتة من القرآن والسنة، ولا يجوز تغيير هذه النصوص أو إضافة نصوص جديدة إليها. أما الابتكار في العلوم والتكنولوجيا فلا يتعارض مع الدين إذا كان ضمن الضوابط الشرعية، بل يُعتبر من الأمور الواجبة المحمودة في الإسلام. وذلك لأنه السبيل لإيجاد حلول للمشكلات، أو تطوير منتجات وخدمات جديدة، أو اكتشاف معارف جديدة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية. كما يعتبر الابتكار في العلوم والتكنولوجيا أمرًا محمودًا، لأنه يساهم في تحسين حياة الإنسان وتطوير المجتمع. كذلك فإن الابتكار يستند في العلوم والتكنولوجيا إلى العقل والتجربة والملاحظة، ولا يتعارض مع الدين إذا كان في إطار القيم والأخلاق. وعليه فيمكن تلخيص ما سبق بقولنا:

- لا يوجد تلازم بين الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا.

- يمكن للمسلم أن يكون مبتكرًا في العلوم والتكنولوجيا دون أن يكون مبتدعًا في الدين.

- يمكن للمجتمع أن يتقدم في العلوم والتكنولوجيا دون أن ينحرف عن الدين.

- الإسلام يحث على طلب العلم والابتكار في مجالات الحياة المختلفة، ولكنه يرفض الابتداع في الدين.

الحث على الابتكار في التكنولوجيا والتطور:

حث الإسلام على طلب العلم والتطور والابتكار في مجالات الحياة المختلفة، وقد جاءت نصوص عامة تشير لأهمية الابتكار في الإسلام ومنها: 

  أن الإسلام حثَّ على طلب العلم والتفكير الإبداعي. قال تعالى: "وقل ربي زدني علمًا"([17]). وأن الابتكار يُعتبر من وسائل استخلاف الإنسان في الأرض، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}([18]). ولم يساوي ربنا جل جلاله بين المتعلم والجاهل فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}([19]).

وقد رفع الله تعالى الذين أُوتوا العلم درجات على غيرهم، قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات([20]). بل قَرَنَ الله تعالى شهادته بشهادتهم، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ}([21]). وقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}([22])، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}([23]).

 نماذج من علماء المسلمين:

  لقد ابدع علماء المسلمين في ابتكاراتهم واكتشافاتهم في العلوم جميعاً، ورغم ابداعهم في تخصصاتهم العلمية والفائدة التي عادوا بها على الناس، إلا أنهم أدخلوا أنفسهم في المسائل العقدية فحادوا عن الجادة وذمهم العلماء. لكنهم في المقابل تركوا إرثاً عظيماً من جميف العلون والفنون، ومن أشهر العلماء في العلوم الإنسانية والعلمية:

-  أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي، الذي يعد من أشهر علماء العرب وأبرزهم في الفلك، ومن أوائل علماء الرياضيات، كما برع في علم الجغرافيا.

-  الخليل بن أحمد الفراهيدي، علمًا بارزًا وإمامًا من أئمة اللغة والأدب وأحد اشهر علماء العرب، درس لدى عبد الله بن أبي إسحاق وهو أيضًا أستاذ سيبويه النحوي، درس الموسيقى والإيقاع ليتمكن من نظم وضبط أوزانه

-  أبو يُوسُف الكندي، هو أبو يُوسُف يعقوب بن إسحاق الكندي، يُعرف عند الغرب بـ "Alkindus" تميّز بكونه من أشهر العلماء العرب في الرياضيات، إلى جانب إلمامه بمختلف جوانب العلوم الأخرى، وُلد في الكوفة بالعراق وعاش في بغداد، تميز في علم الفلك والفلسفة والبصريات والطب والكيمياء والموسيقى.

-  جابر بن حيّان بن عبد الله الأزدي من علماء العرب المسلمين، برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة وعلم المعادن والفلسفة والطب والصيدلة. وصفه ابن خلدون بـ "إمام المدونين"، كما قال عنه أبو بكر الرازي في (سر الأسرار) "جابر من أعلام العرب، وأول رائد للكيمياء"

-  ابن سينا، أبو علي الحسين ابن سينا، عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات، يُعد ابن سينا من أكثر الشخصيات المؤثرة في مجال الطب في العالم الإسلامي وأوروبا في القرون الوسطى؛ كانت كتبه ودراساته تُدرّس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر.

-  أبو بكر الرازي هو بكر محمد بن زكريا الرازي طبيب عربي مسلم وكيميائي وفيلسوف من أشهر علماء العرب. كان من أعظم وأهم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي، عاش حياته بين القراءة والتصنيف، وقيل أنه فقد بصره من كثرة القراءة، ومن إجراء التجارِب الكيميائية في المعمل. يأتي الرازي في المرتبة الثانية بعد ابن سينا في مجال الطب.

-  الحسن بن الهيثم، من أشهر علماء العرب العباقرة في القرن العاشر الميلادي، عاش في البصرة منارة ومركز العلوم عند العرب قديمًا، ثم انتقل إلى مصر.

-ابن بطوطة، محمد بن عبد الله بن محمد اللّواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، كان رحالة ومؤرخ وقاضٍ، لُقّب بأمير الرحالين المسلمين، طاف الكثير من البلاد في المغرب ومصر والحبشة والشام والحجاز وتهامة ونجد والعراق وبلاد فارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط إفريقيا. قطع ابن بطوطة في رحلاته مسافة 75.000 ميل وهي مسافة لم يقطعها أي رحالة منفرد حتى ظهور وسائل النقل.

ابن رشد، هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي، يعد ابن رشد ظاهرة علمية عربية متعددة التخصصات، فقد كان فقيه مالكي، وكان قاضي القضاة في زمانه، وكان طبيب بارع تفوق على أستاذه، حتى أنّ أستاذه ومعلمه ابن زهر قال عنه: "ابن رشد أعظم طبيب بعد كالينوس"، وقد كان فيلسوفًا عظيمًا، وفلكياً.

-  الكسائي، يُعد من أشهر علماء العرب في النحو في اللغة العربية وأبرزهم، فهو المؤسس الحقيقي للمدرسة الكوفية في النحو، وهو سابع القراء السبعة، وكان إمام الكوفيين في اللغة والنحو.

ومن أبرز العلماء العرب أيضا:

-  الفارابي في علوم الطب والفلسفة، وابن البَيطار في علوم الطب والصيدلة، النباتات والزراعة، الجغرافيا، والفلسفة، ابن باجة في الفلك والطب والجبر والرياضيات والموسيقى، الإدريسي في الفلك والطب والنباتات والزراعة، أحمد المقريزي من أشهر علماء التاريخ وله مؤلفات عن الديانات الإنسانية، أبو علي بن الهيثم الملقب بالعالم الموسوعة لكثرة العلوم التي يعلم بها، حنين بن إسحاق في علوم الطب، ابن البناء المراكشي في علوم الرياضيات، أبو إسحاق البطروجي في علم الفلك، أبو كامل شجاع في الحساب والفلك.

تنبيهٌ علميٌّ مهم

ينبغي التنبه إلى أنّ بعض العلماء المشهورين بإبداعاتهم في العلوم الطبيعية والعقلية، ممن ذكرنا، قد وقعوا في انحرافاتٍ في باب العقيدة، وتأثروا بالفلسفة اليونانية ومذاهب المتكلمين، فخالفوا ما عليه أهل السنة والجماعة في مسائل التوحيد والنبوة والمعاد. لذا، لا يصح الخلط بين براعتهم في الطب أو المنطق، وبين صواب منهجهم العقدي، بل يُؤخذ من علمهم ما وافق الحق، ويُردّ ما خالف، كما قرر أهل العلم المحققون.

الضوابط الشرعية للابتكار والاختراع في العلوم والتكنولوجيا

إن مجال الأبحاث والابتكار في الجوانب الخاصة بالتطور العلمي والتكنلوجي يلزم أن يحاط ببعض الضوابط، فلا يمكن فتح الباب على مصراعيه ويترك الحبل على القارب وتسيح الأمور وتخرج عن الانضباط، وعليه فهناك ضوابط يلزم الالتزام بها، ومن هذه الضوابط:

- عدم التعارض مع القيم الإسلامية. 

- مراعاة الأخلاقيات العلمية. 

- تحقيق المصالح ودرء المفاسد.

ختاماً

لقد كان للحضارة الإسلامية دور كبير في تطوير العلوم كالطب والهندسة وغيرها، وكانت في مقدمة الأمم علمياً، ورغم ضياع هذا الإرث من المسلمين؛ فالوجب النهوض من جديد، واللحاق بركب الأمم المتقدمة، وعلى هذا يجب على المسلمين الاستفادة من التطورات العلمية والتكنولوجية التي تقوم على خدمة الدين والمجتمع، لان الابتكار في العلوم والتكنولوجيا يساعد المسلمين على مواكبة التطورات العالمية، والمساهمة في بناء حضارة إسلامية متطورة. كما يجب على المسلمين أن يكونوا روادًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وأن يقدموا للعالم نماذج إيجابية للابتكار والإبداع.

أما الابتداع في الدين والابتكار في العلوم والتكنولوجيا مفهومان مختلفان لا يجوز الخلط بينهما. ويجب على المسلمين أيضاً الالتزام بأحكام الدين كما جاء في الكتاب والسنة، والابتعاد عن البدع التي تُفسد العقيدة والعبادة. في المقابل، يجب تشجيع الابتكار في العلوم والتكنولوجيا لتحقيق التقدم والازدهار، مع مراعاة الضوابط الشرعية. 


وكتبه 

راجي عفو ربه الحميد يوسف طه السعيد




([1]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2697) ومسلم في "صحيحه"  (1718).

([2]) أخرجه أحمد في "مسنده" (17416) وابن ماجه في "سننه" (42) وأبو داود في "سننه" (4607) والترمذي في "جامعه" (2676).

([3]) (الأعراف: 1 – 3).

([4]) (الشورى: 21).

([5]) أخرجه البخاري في "صحيحه (٢٦٩٧)، ومسلم في "صحيحه" (١٧١٨).

([6]) أخرجه النسائي في سننه (١٥٧٨).

([7]) أخرجه مسلم في "صحيحه" (١٧١٨).

([8]) أخرجه البخاري في "صحيحه (١)، ومسلم في "صحيحه" (١٩٠٧).

([9]) جامع العلوم والحكم (1/176).

([10]) فتح الباري (5/302-303).

([11]) فتح الباري (5/302-303).

([12]) فتح الباري (5/302-303).

([13]) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (1/213).

([14]) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٨٦٧).

([15]) (الزمر: 9).

([16]) (العنكبوت: 20).

([17]) (طه: 114). 

([18]) (البقرة: 30).

([19]) [الزمر:9].

([20]) (المجادلة:11).

([21]) (آل عمران:18).

([22]) (آل عمران:7).

([23]) (فاطر:28).

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

224647537720518772

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث