رسالة إلى بُنيَّتي
حينما تهمس الذئاب بأصوات الحنان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهِ الذي جَمَّلَ الفتاةَ بالحَياءِ،
وصانَها بالعفاف، وجعلَ التُقى لها زينةً وارتقاء. نحمدهُ إذ هدى، ونشكرهُ إذ وقى،
ونسألهُ أن يُلبسكِ يا بُنيَّتي رداءَ الطُّهرِ والتقوى.
والصلاةُ والسلامُ على مَن قال: «الدنيا متاع، وخيرُ
متاعها المرأة الصالحة»([1])، صلواتُ ربي وسلامُه عليه.
بُنيّتي…
يا نسمةً عَبِقة في
ربيع العمر، ويا نغمةً ندية في وتر الحياة...
أُخاطبكِ لا لأعاتبك،
بل لأحميك، وأحاكي قلبك لا أُزايد عليه.
أبثّكِ مشاعر الألم،
وحرقة الناصح، وأفرش لك الكلمات بساطًا من حنانٍ صادقٍ لا رياء فيه ولا سُمعة.
فيا
قُرّة العين… في زمنٍ كثُرت فيه الذئاب، واختلط فيه الشهد اللّين بلعاب
الكلاب، أُمسك يدكِ بلطفٍ، وأقول:
رفقًا
بقلبكِ… فإنه أثمن من أن يُقدَّم في سوق الأوهام، وأطهر من أن تعبث به الأيدي
الملوّثة.
هذه رسالةُ أَبٍ محبٍّ
يخشى عليكِ، ويشتاق أن يراكِ في مقام العزّ، وعُرش الطهر، وبهاء الحياء.
بُنيّتي…
يا زهرةً لم تتفتح
بعد، ويا لؤلؤةً في صدفتها، أكتُب إليكِ وكأن قلبي بين أناملي، يُملي عليَّ
الكلمات بدمعه قبل مداده، وبحنانه قبل بيانه، وأقول لك:
إيّاكِ والذئب، وإن لبس جلد الحمل!
فكم من ذئبٍ عطّر
لسانه بالكلام المعسول، لكنه خبّأ مخالبه خلف ابتسامة، ونظرته خلف وعود كاذبة.
تخيلي: قصة بدأت برسالة، ثم
ابتسامة، ثم لقاء، ثم… بكاء وندم وذلّ وكسر لا يُجبر.
بنيّتي…
إياك أن تكوني تلك
الفتنة التي قال النبي ﷺ عنها: "فَاتقُوا الدنيا، واتقُوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في
النساء"([2]).
يا تاج
الرأس …أما سمعتِ ما قاله ربك عز وجل عن نبيه يوسف عليه السلام
لما أرادته امرأة العزيز بسوء؟
قال: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ
مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾([3]). فكيف بنا ونحن في زمن اشتدت فيه الفتن وتزين فيه الباطل
برداء الحق؟!
بنيّتي…
احذري الغنم القاصية،
فإنها فريسة الذئاب وضالة الكلاب.
قال رسول الله ﷺ: "عليك بالجماعة، وإياك
والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد"([4]). فالرفقة الصالحة حصن وحرز وحماية وصيانة.
تذكري: أن الشباب اليوم –
إلا من رحم الله – فيهم من صار ذئبًا بجلد بشر، لا يبحث عن قلب يحب، بل عن طُهرٍ
يسلب، وإذا ما أخذ مبتغاه، رماكِ كما تُرمى الورقة اليابسة، لا ذِكرى، ولا عهد،
ولا رجعى.
قصة وعبرة:
كانت فتاة في مقتبل
العمر تعيش حياتها بهناء ورخاء وسعادة، حتى دخل عُش سعاتها شاب مخادع أضلها بكلمة:
"أحبك".
أخفَت عن والديها،
وتعلقت بوهم.
وما إن سلمته قلبها…
حتى تركها لأوجاعها، واختفى.
فأصبحت تبكي في صمت،
وتلوم نفسها في الليل الطويل.
وما نفع الندم بعد أن
ضاع ما لا يُسترجع؟!
بُنيّتي…
لا تقولي: "أنا أُفرّق
بين الجد والهزل"، ولا تقولي:
"أنا أذكى من أن أُخدع"،
فكل من وقعت قبلك…
قالتها، ثم وقعت!
حكمة:
الثقة الزائدة بالناس
مفتاح الندم، والستر تاجٌ لا يليق إلا بالأنقياء.
بُنيّتي…
اسمعي نُصحي، وخذي
عني:
حُسنُ الخُلقِ
والعفافُ تِـــاجُكِ
فاحفظي العرضَ لا تُضيعي سِراجَكِ
واقطعي
الخطوَ إن دعاكِ غريبٌ
فالغريبُ الذئبُ إن غَرّ نِسَاجَكِ.
بُنيّتي…
لم يُخلق قلبكِ ليوضع
على قارعة طريق الرسائل والنظرات، ولا كرامتكِ لتكون بضاعة يتسلى بها الأراذل في
الطرقات والخلوات، بل أنتِ جوهرة، لا تُرى إلا لمن يَصُون، ولا تُهدى إلا لمن يستحق... فكوني
عزيزةً، كما أرادك الله.
يا قرة
العين: لا تخرجي الا لضرورة، ملتزمة أمر ربك الحكيم العليم حين
قال جل علمه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾([5]).
ولا تكوني سهلة
المنال لمن لا يعرف معنى الوفاء ولا يقدّر معنى العفاف. وسلي نفسك دائماً، هل من خان الله في السر، يكون
أمينًا عليكِ في العلن؟!
بُنيّتي…
العلاقات التي تبدأ
في الخفاء؛ لا تنتهي في النور،
ومن تساهلت اليوم في
كلمة؛ قد تندم غدًا على جرح لا يندمل.
حكاية معبرة:
إحدى الفتيات راسلها
شاب يزعم الحب…
فلما أرسلت له
صورتها، بدأ يهددها إن لم تستجب لمطالبه…
وهكذا… أصبحت ضحية
لكلمة "حب" زائفة، كانت بوابة للابتزاز والألم والدموع.
بنيّتي... هنا الصدمة
الكُبرى
هل يستحق والدُكِ
الذي يخرج في قيظ الهجير وزمهرير الشتاء، يكدُّ ويشقى ليأتيكِ بلقمةٍ وكسوةٍ
ودفءٍ، أن تُنكّسي رأسه الشريف في التراب؟
هل تُرضيكِ دمعةُ
أمٍّ قضَت عمرَها بين مخاضٍ وسُهاد، ووهبتكِ من روحها قبل جسدها، ثم لا تجنين
عليها إلا كسرةَ قلب؟
هل يستحق أخوكِ، ذلك
السندُ الحنون، أن يُقال عنه في المجالس: "أخته فعلت... وأخته خرجت... وأخته للثقة
خانت"؟
فإيّاكِ ثم
إيّاكِ أن تخذلي مَن بذل... أو تُكسري قلبَ من سهرَ واحتمل... أو
تسيئي إلى مَن حَفِظ وصَبر.
ومن ذا الذي يستحق أن تخذلي لأجله كلَّ هؤلاء الطاهرين؟!
ذئبٌ لبس ثوب الحبيب،
وهو لا يرى فيكِ إلا فريسةً سهلةً، ثم يترككِ إن نال؟!
كلا وربِّ البيت، لا
تُبدِّلي الذهب بالتراب، ولا النقاء والخبث، ولا الطهر بالوحل.
أي بُنيّتي…
ختاماً
إن كانت كلماتي قد
لامست قلبكِ، فذاك مرادي،
وإن كانت قد أضاءت
لكِ عتمةَ الطريق، فذاك رجائي،
كتبتُ إليكِ لا
لأُعقلك بقيود، بل لأُعتقكِ من ذُلِّ التقييد،
ولا لأُحاصركِ
بالممنوع، بل لأُحيطكِ بسورٍ من الصون والسُؤدد.
يا
سواد العين ومائها...
قد تنبت الزهرة في
غير أوانها، لكنّها إن سُقيت بالروية، أثمرت عطرًا لا يُنسى،
وإن جفّت يومًا،
فالعِبرة بمن تعود إلى نبعها الصافي، لا بمن ضلّت الطريق ومضت.
يا
فرحة أبيها...
احفظي ودّي، واعمري
قلبكِ بالتقوى، ولا تُسلمي قلبكِ لكل من قال: "أحبكِ"،
فالحبُّ شرفٌ لا
يبلغه إلا من صدق في خِطبته، وطرق الباب من بابه.
يا
سعادة أمها...
ستأتيكِ أيّامٌ
يكرمكِ الله فيها برجلٍ يخاف الله فيكِ، وحينها ستُفهمين:
لِمَ لم يكن ما قبله
إلا امتحانًا لصبركِ وصونكِ.
بُنيّتي…
اجعلي بينك وبين الناس سورًا من الحياء، واحفظي قلبك لله،
حتى يرزقك من يستحقه بحق.
قالت العفيفةُ: قلبي
لله أهديتُه، فصانهُ الرحمنُ حتى إذا جاءني من بابٍ شريفٍ، أعطيتُه
بُنيّتي…
العفّة عِزّ، والحياء
زينة، والدين حارس.
فكوني كما أرادك الله:
دُرّة مكنونة، لا تعبث بها الأهواء.
أي بُنيّتي…
هذا آخر حديثي، وما
بين السطور دعاءٌ لا يُقال، وما نبوح به نقول:
أن يحفظكِ الله
سترًا، وأن يجعلكِ نجمة لا تُنال؛ بل يُرتجى نورُها في زمن الظلام.
ثم: يا أيها الرجال، قال
رسول الله ﷺ: "استوصوا بالنساء خيرًا"([6]).
راجي عفو ربه الحميد يوسف طه السعيد غفر الله له ولوالديه
02/07 / 2025 م - ٧ محرم
١٤٤٧ هـ
إرسال تعليق
اللهم احفظ أبنت أخي وصديقي واجعلها من الصالحات، وارزقها العلم النافع والعمل الصالح، واجعلها قرة عين لوالديها. اللهم ارزقها الصحة والعافية، والتوفيق في دراستها ومسيرتها. آمين يا رب العالمين.
ردحذفاللهم امين امين وانت وزيادة يا حفيظ ... اخ حبيب وصديق كريم
ردحذف